أكبر من الحزم
من الطبيعي ان تبادر المملكة العربية السعودية الى ماقامت به من عمل عسكري في اليمن لان التركيبة السياسية من ولاءات ومواقف لدى الحوثيين ومن معهم تحمل العداء للسعودية ، كما ان السماح للحوثيين بما لهم من ارتباط بايران بالسيطرة الكاملة على الدولة اليمنية يعني تهديدا مباشرا لأمن السعودية والخليج والمنطقة بل هناك جهد منظم اليوم لاستدراج السعودية الى حرب طويلة من خلال عمليات استهداف المناطق الحدودية السعودية.
لكن مشكلة اليمن اكبر بكثير من عاصفة الحزم ، فاليمن رغم كل الكلام الجميل والمجامل الذي يقوله الجميع عنه يقوم على بنية سياسية لايمكن ان تجعلها دولة مستقرة ، فلا هي دولة تحكمها قوى حزبية سياسية ، وليست دولة قبلية ، بل هي خليط غير متجانس من القبلية والحزبية والميليشيات ، وعوامل الانقسام حاضرة ليس فقط على أساس الجغرافيا بين الشمال والجنوب بل على أسس اخرى ، وفيه مذهبية ، كما ان مؤسسات الدولة مخترقة من كل عوامل الانقسام ، ولهذا لا نجد اليوم جيشا يمنيا بل كل لواء او جزء من الجيش له ولاء سياسي او قبلي او مذهبي.
ومن يعرفون اليمن قبل الازمة الحاليّة يعلمون مشكلاته في التنمية والبنية التحتية والتعليم والمؤسسات ، وكل من يشاهد الصور القادمة على الفضائيات عن اليمن يرى البؤس التنموي والاقتصادي والتعليمي... الذي تعيشه اليمن.
لو كانت مشكلة اليمن سياسية فقط لكان الحوار طريقا للحل ، لكنه بلد فيه من الاسلحة اكثر مما فيه من التنمية ، ولهذا يصبح سهلا ان ينزلق الى الحروب والفتن والاقتتال ومن الصعب جدا ان يخرج منها بسهولة او بلا أثمان كبرى ، وتاريخ اليمن الحديث يؤكد هذه الحقيقة.
اليوم وبعد التوقف الرسمي لعاصفة الحزم واستمرار العمليات تحت اسماء اخرى تأكد للجميع ان اليمن جرح أمني وسياسي كبير لدول الخليج ، فالدولة ليست موجودة ، ومن يواجهون الحوثيين يسمون المقاومة اي ميليشيات ، وربما لن نجد الدولة اليمنية مرة اخرى قبل سنوات ، وان عادت ستعود منهكة شكلية ، اما الحوثيون ومن أمامهم ومن خلفهم فان بندا رئيسا من أجندتهم إيجاد حالة من القلق الأمني والعسكري للاشقاء في السعودية من خلال عمليات الاستهداف للمناطق الحدودية ومحاولات التسلل التي نسمع عنها كل يوم من الجهات السعودية عن تصد لبعضها او اشتباكات يذهب ضحيتها احيانا بعض الجنود السعوديين.
اليمن اليوم مثل دول اخرى تدفع ثمن مسار عقود كانت فيه الدولة شكلية او تستهلك أسسها السليمة لمصلحة حكم الفرد او الميليشيا ، وما كان البعض يتندر به عن بعض الدول وكيف تدير أمورها هو اليوم باب جهنم الذي عبرت منه هذه الدول نحو الفوضى وحكم السلاح قبل حكم المؤسسات.
مشكلة اليمن اكبر من كل العواصف العسكرية على أهميتها لحل بعض المشكلات ، وحتى الحل السياسي الذي نسمع عنه فلن يكون اكثر من محاولة لاغلاق الجرح اليمني مع الاحتفاظ بكل ماتحته من مخلفات الأزمات الماضية ، ومافعله الربيع العربي انه كشف هشاشة الدول بل غياب أدنى الأسس لهذه الدول ، والدولة التي صمدت او خرجت بخسائر اقل هي التي كانت تملك شيئا من مقومات الدول ، ونكتشف جميعا ان الجريمة الكبرى لبعض الانظمة ليست في القمع او الفساد على عظم هذه الممارسات بل في انها انظمة افقدت البلدان اقل مقوماتها كدول ، وكل ما كنّا نراه فيها من شكليات الدول ليس اكثر من أدوات للسيطرة على البلد والعباد.
اليمن حكاية مثلها حكايات ، وربما لو تعرضت دول اخرى لبعض ما تعرضت له اليمن لاكتشفنا كم هو شكلي مانراه اليوم ، وأنها لاتختلف عن رجل انيق وسيم يلبس لباسا فاخرا لكنه في داخله متخم بالامراض القاتلة التي تحوله في لحظات الى شيء اخر.