العرب وتركيا وهذه الحقائق !
لمن لا يعرف عليه أن يعرف أن تركيا أقامت صرحاً للشاعر العربي الأشهر امرؤ القيس في المنطقة التي كان دفن فيها بالقرب من أنقرة حيث وافته المنية هناك عندما كان في طريقه إلى قيصر الروم للاستنجاد به لاستعادة مُلْك والده الذي كان مَلِكاً لمملكة «كنده» العربية ويقال أنه, أي امرؤ القيس, عندما أخذ يحتضر نظر حوله فرأى قبراً فسأل عنه وعندما قيل له أنه قبر امرأة غريبة أنشد قائلاً:
أيا جارتنا إنَّ المزار قريب
وإني مقيم ما أقـام عسـيب
أيا جارتنا إنَّا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسـيب
وعسيب هو جبل بالقرب من أنقرة بقي قبر امرؤ القيس, الذي بنى فوقه إخوتنا الأتراك صرحاً جزاهم الله خيراً, يحتل مكاناً على سفحه منذ ما قبل الإسلام وحتى الآن.
ثم وكما سمعنا من الرئيس التركي السابق عبد الله غول, بعض أعضاء الملتقى العربي – التركي وأنا أحدهم, أنه بدأ إنشاء كلية تدرس باللغة العربية في منطقة أنقرة ذاتها وهذا بالإضافة إلى أن ما يلاحظه حتى الزائر العادي هو أن هناك عودة للغة العربية وأن هناك معاهد كثيرة بدأت ومنذ نحو عقدين من الأعوام تدرس لغة القرآن وأن حتى مآذن مساجد اسطنبول التاريخية بات ينطلق الآذان منها خمس مرات في اليوم.. أجملها آذان الفجر عندما يتسرب في شغاف قلب كل من يسمعه.
إن ما دفعني إلى الإشارة إلى مسائل لا حصر لها في مدينة كانت عاصمة العرب كما هي عاصمة الأتراك وعاصمة كل الأمم التي كانت تنضوي في إطار الإمبراطورية العثمانية هو ما سمعناه من اعتراضات مُسيّسة ومفتعلة لزيارة السفير التركي إلى مدينة معان والقول أنه كان في مهمة لاستطلاع مسجدها القديم لترميمه وهذا بالطبع غير صحيح على الإطلاق وذلك مع أنه ما المانع في أن تتبرع دولة إسلامية لترميم مسجدٍ كان في يوم من الأيام أحد المساجد الإسلامية في هذه المدينة التي كانت محطة رئيسية على طريق الحج إلى مكة المكرمة.
إنَّ من حق أيٍّ كان أن ينحاز إلى بشار الأسد وجُنده وإلى إيران وملاليها لكن ليس من حقه أن يسقط المواقف السياسية على مسائل كهذه المسألة والمعروف أن زوَّار الأردن من الأتراك الرسميين وغير الرسميين دأبوا على زيارة مقبرة في مدينة السلط آوت أجساد عددٍ من منتسبي جيش الخلافة العثمانية الذين سقطوا شهداء ربما في الحرب العالمية الأولى وقبل ذلك.
هناك في القدس الشريف عشرات المواقع التي تعتبر آثار عثمانية وهذا ينطبق على القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت وأيضاً على مكة المكرمة والمدينة المنورة وعلى العديد من مدننا الأردنية وكذلك فإن المفترض أنه معروف أن خط الحديد الحجازي هو خط عثماني إن ليس تمويلاً فهندسة وقراراً.. ولذلك فما هي المشكلة في أن يزور السفير التركي الذي هو سفير دولة صديقة بل وشقيقة معان وغير معان وأن يتبرع باسم دولته في ترميم أحد مساجدها الذي كان ذات يوم مسجداً عثمانياً ؟!
إن كل المسؤولين العرب سفراءً وسياحاً لا بد وأنهم زاروا الآثار العربية في الأندلس وفي اسبانيا وأن بعضهم امتلك قصوراً جميلة في هذه الدولة التي كانت دولة عربية لأكثر من ثمانمائة عام.. لكننا لم نسمع أي اعتراضٍ اسبانيٍّ على هذا وذلك مع أن الذين يحكمون اسبانيا الآن هم أحفاد أصحاب «محاكم التفتيش» التي يجب ألَّا نتوقف عندها والتي يجب ألَّا تحكم علاقتنا الحالية بشعب أصبح صديقاً تربطنا به كعرب مصالح مشتركة وعلاقات كثيرة.
وهكذا فإنه في النهاية أنه لا بد من القول إنَّ من أراد الالتحاق بركب بشار الأسد وركب إيران فإنه حرٌّ في ذلك أما التصُّيد في ما يُعتقد أنه مياه عكرة فإنه العيب بعينه.. وإن العيب أيضاً هو التفتيش في الدفاتر العتيقة لاستهداف تركيا التي يجب وبالضرورة أن تكون علاقات العرب بها وعلاقاتها بالعرب على أساس ما يجمع وليس ما يفرق.. وهنا ولعلم هؤلاء الذين يحاولون تحويل الحبَّة إلى قبة أنَّ من تنازل عن لواءٍ الاسكندرون بصكٍّ موثق ومكتوب هو حافظ الأسد (أبو سليمان) ما غيره وكان ذلك في عام 1998 عندما رضح للإملاءات التركية بالنسبة لقضية عبد الله أوجلان المعروفة.