هل خطفتا أم ذهبتا طوعا؟
قضية تغيب الفتاتين عن بيتيهما، والعثور عليهما، شغلت الرأي العام، وأثارت جلبة كبيرة، وقلقا غير مسبوق، لأن مثل هذه القضايا غير مألوفة في بلدنا، ونادرة الحدوث جدا، نقول «تغيب» وليس اختطافا، بناء على بيانات المركز الإعلامي الأمني في مديرية الإعلام، الذي قال انه منذ أيام أبلغت كوادر مديرية شرطة البلقاء عن تغيب فتاتين إحداهما في الخامسة عشرة من عمرها والأخرى في السادسة عشرة بعد خروجهما من منزل ذويهما إلى أحد المراكز التعليمية وان الاتصال بهما انقطع منذ تلك اللحظة، ولم تلبث إحدى الفرق التحقيقية أن توصلت إلى احتمالية تواجد الفتاتين في إحدى الشقق في الحي الشرقي في مدينة إربد ليتم التنسيق بين فرق التحقيق ومديريات الشرطة المختصة والتحرك للمكان، ليُعثر عليهما بصحة جيدة برفقة أحد الأشخاص داخل تلك الشقة، وبالتحقيق معهما –حسب بيان المركز- أفادتا بأنهما خرجتا بإرادتهما من منزليْ ذويهما دون إجبار أو إكراه، حيث سيتم تحويلهما إلى إدارة حماية الأسرة لاستكمال التحقيق معهما والتحقيق مع الشخص المرافق لهما!
هذه رواية الأمن العام، وهي تُحمّل مسؤولية غياب الفتاتين لهما شخصيا، كونهما ذهبتا طوعا لا كرها مع من قيل انه «خطفهما» وهي رواية يبدو أنها استفزت ذوي الفتاتين، فصرحوا بعكسها، ونشروا صورة للفتاتين وهما مقيدتان، ليقولوا أن الفتاتين لم تذهبا طواعية لشقة ذلك الرجل، بل خطفتا خطفا، وفي تفاصيل الأمر، حسب ما نشر في غير مكان، قال جد إحدى الفتاتين أن «الخاطف» جاء لمنزلهم مدعياً أنه رجل أمن من جرش وجلس مع والد الفتاة لكن الأب شك في أمره واتصل بالبحث الجنائي الذين قاموا بالقبض عليه وضبطه ومن ثم معرفة مكان الفتاتين.
وقال أيضا أن «الخاطف جاء لمنزل أهل الفتاة للتفاوض على إطلاق سراحها لكنه لم يجد الوقت مناسباً، وأن الأمن العام جاؤوا لمنزل العائلة مساء الاثنين وطلبوا منهم عدم نشر الصور التي وصلت من الخاطفين والتي ظهرت فيها الفتاتين (شيماء وجمانة) وهما مقيدتان لأن نشرها سيؤثر على مسار التحقيقات وأن العائلة التزمت بذلك، إلا أن بيان الأمن العام استفزهم عندما أشار إلى أن الفتيات خرجتا طوع إرادتهما الأمر الذي دفعهم لنشر الصور وتوضيح حقيقة خطف الفتاتين»!
نحن أمام روايتين لحادث واحد، وقد رأيت بنفسي صورة الفتاتين وهما مقيدتان، ولا أملك بالطبع أي وسيلة للتأكد من صدقية الصورة، ولا أي آلية لترجيح أي من الروايتين، لكنني أعرف جيدا، أن أدبيات الأمن العام، تحرص على «ستر» أعراض الناس حتى لو كان ثمة «خطأ» ما، وهذه هي سياسة إدارة حماية الأسرة، أما أن يُصار إلى نشر خبر يؤكد أن الفتاتين خرجتا بإرادتهما، ما ينطوي على اتهام لهما، وتبرئة الأمن العام من أي تقصير، فهذا أمر غريب ومستهجن، وغير مألوف، ويسيء لأسرتي الفتاتين، وللفتاتين، حتى ولو لم يختطفا فعلا، فما بالنا إذا ثبت أنهما فعلا اختطفتا؟
لقد اعتدنا على وجود سياسة حكيمة ومحافظة للأمن العام، خاصة حين يتعلق الأمر بالأسر وأسرارها، وحساسية المجتمع تجاه أبنائه وبناته، وكلنا أمل أن تكون هذه السياسة لم تزل معتمدة، خاصة وأننا نشهد أمام الله والناس أجمعين، أننا ننعم بأمن حرمت منه كثير من البلاد، والفضل بعد الله عز وجل يعود إلى تلك العيون الساهرة اليقظة، التي تبقى تحرسنا فيما تنعم عيوننا بالنوم، وهي ليست بحاجة لتبرئة أنفسها من أي تقصير لا سمح الله!