وزارة الزراعة : شجاعة مطلوبة
يحتاج وزير الزراعة عاكف الزعبي إلى غطاء سياسي أمني من الحكومة ، مثلما يحتاج لشجاعة شخصية أسوة بزميله وزير المياه حازم الناصر الذي عرى سارقي المياه من المتنفذين ، ونشر أسماءهم وأحرجهم وأرغمهم على تنفيذ مطلبين أولهما وقف الأعتداءات على خطوط الأمداد العامة ، وثانيهما دفع أثمان المياه المسروقة والمطلوبة منهم .
الشيء المؤكد أن شجاعة حازم الناصر ، لم تكن شخصية فقط ، بل تُسجل للحكومة ولرئيسها وقرارها السياسي الأمني وإلا لما غامر وزير المياه وفضح طابق المعتدين على خطوط الأمداد ، ونشر أسماءهم رغم أنهم من أصحاب النفوذ ومن الفعاليات الأجتماعية والسياسية والأمنية الكبيرة ، ومثلما حقق حازم الناصر مهنيته ، ولبى أمانة المسؤولية المترتبة عليه وعلى دوره الوطني المطلوب ، وحافظ على هيبة الدولة المهزوزة ، وحمى المياه من التطاول والأعتداء ، يستطيع عاكف الزعبي القيام بالفعل نفسه وزيادة إعتماداً على ما حققته وزارة المياه ، طالما تتوفر له التغطية والأرادة السياسية الأمنية في منع الأعتداء على أملاك الدولة ، وسحب ما تم الأعتداء عليه وإسترجاعه ، وإعادة حقوق الدولة لأملاك الخزينة ، فزمن أول إنتهى بلا رجعة ، فقد كانت السياسات المحلية تقديم أراضي الدولة رشاوي للمتنفذين مقابل كسب الولاء ، وهنا لا نتحدث عن المحتاجين الفقراء من أهالي الريف والبادية ، بل نتحدث عن وزراء وأعيان ونواب وكبار موظفين وشيوخ عشائر يعرفون من أين تُؤكل الكتف ، وكتف الدولة كان واسعاً مليئاً بالإستجابة والأراضي والوظائف ، ولكنها لم تعد كذلك ، وهذا سبب ضيق المساحات للشوارع وللطرق وللمؤسسات وغياب الحدائق والأراضي الفسيحة ، فقد تم الأستيلاء عليها بقرارات إدارية ، وتحت غطاء واجهات عشائرية ، وبذريعة إستعمالات الأرض من خلال وضع اليد عليها لمن يستعملها أو يشغلها ، وأحياناً يقوم هؤلاء ببيع هذه الأراضي بحجج عشائرية أي بعقود فردية لا صلة لها بالقانون ، وبقدرة قادر تتحول ملكيتها لأناس يستحقوق وغالبيتهم لا يستحقون .
راكم البعض ثروات من خلال إستيلائهم على أراضي الخزينة وإستعمالها لحاجاتهم الخاصة ، أو بيعها لطالبي الشراء ، وهذا سببّ ليس فقط فقدان حقوق الدولة ، بل أدى إلى حالة إرباك للبلديات من خلال عدم قدرتها على تنفيذ مخططات مستعجلة ، وعدم تلبية حاجات المتنفذين أو لمن تم بيع هذه الأراضي لهم ، لعدم توفر الخدمات المسبقة المخطط لها ، وفق التطور الطبيعي للتوسع السكاني ، وهكذا نجد هذا الكم الهائل من الاحياء الضيقة المكتظة غير المنظمة ، ونسمع عن الإحتجاجات من أولئك الذين إشتروا وبنوا بدون مخططات وبدون عقود رسمية وبحجج عشائرية غير قانونية .
معالجة هذه الظاهرة يحتاج لخطة عمل منهجية ، من قبل وزارة الزراعة ، بهدف وقف الأعتداءات أولاً وإعادة ما تم الإستيلاء عليه ثانياً ، بشكل حازم وبلا تردد سواء تم إقامة مشاريع أو منشأت أو إستعمالات مختلفة لهذه الأراضي ، وهذا يحتاج بالفعل لتوفير الغطاء والحماية لوزير الزراعة ، ودعمه جدياً كي يقوم بتصويب الأعتداءات ووقفها ، وتلبية ما هو مطلوب منه مهنياً ووظيفياً وحقوقياً لصالح خزينة الدولة ، وثمة تفاؤل بتوفير ما هو مطلوب من دعم وتغطية وإسناد من قبل الحكومة والمؤسسات والأعلام والبرلمان ، ليس فقط لأن وزير المياه شكل نموذجاً يُحتذى ، بل ما قامت به وزارة الداخلية وجهاز الأمن بفترة قياسية صغيرة حيث أنجزت الكثير الذي يستحق الأحترام ، فقد تم إلقاء القبض على العشرات من المطلوبين للعدالة ، ومن المصنفين على أنهم من الخطرين الذين يتطاولون على حقوق الناس وأعراضهم وممتلكاتهم وينشرون الخوف والرهبة على المواطنين وسلبهم ، كما تم كشف شبكات من المخدرات ومزارع مخدرات لأناس يُعتبرون من المتنفذين ، وتم ذلك بفعل ثلاثة عوامل الأولى الأداء المهني الأمني والثاني الحزم من قبل وزير الداخلية المجّرب ، وثالثاً القرار السياسي الأمني بالعمل على إنهاء التجاوزات والتعدديات ووقفها ، ولهذا ينتابنا الأمل أن ما سوف تفعله وزارة الزراعة إنما يستند لقرار ورؤية وإرادة سياسية أمنية بتوفير الأمن والطمأنينة للأردنيين لأنهم يستحقون ذلك ، ولان بقاء الفلتان وغياب هيبة الدولة يشيع عدم الأستقرار أسوة بما حصل لدى الأشقاء الذين تم تدمير بلادهم ووطنهم ومؤسساتهم في ليبيا وسوريا واليمن والعراق .
دعم وزير الزراعة مهم وضروري ، كما سبق وتم دعم وزير المياه ، لا أن تتصرف الحكومة مع المتنفذين سارقي الأراضي كما تصرفت مع موجة الهجمة على وزير التعليم العالي ، حينما أحنت رأسها أمام أصحاب الأمتياز والمكتسبات الخاصة لأستثناءات القبول في الجامعات ، وهي أحدى عناوين فساد التعليم العالي ، ومن تراث فترة الرشاوي المقدمة للمتنفذين مقابل تقديم ولاءاتهم الأنتهازية التي تختفي حال ظهور التعارض مهما كان بسيطاً بين مصالح هؤلاء الموالين الأنتهازيين وبين مصالح الدولة الأردنية .
الأصلاح يحتاج لأدوات وقوى ضغط ، والأدوات ضعيفة ، وهذا سبب ترهل عملية الأصلاح السياسية والأقتصادية والإجتماعية وعدم نجاحها لأن غول قوى الشد العكسي أقوى من كل دعوات الأصلاح من قبل المستنيرين من أبناء وقيادات شعبنا الأردني .