هل أعلن الأردن الحرب على داعش ؟
هوا الأردن - د. خيام الزعبي
يحاول الأردن اليوم تجنب إرتداد الزلزال الذي يدمر دول الجوار، لكنه ليس بمنأى عن الإرهاب العابر للحدود، لذلك يبدو وإثر تعرضه لضغوط إقليمية ودولية ووسط إتهامات عن تسهيل مرور التنظيمات المتطرفة عبر أراضيه وتقديم العلاج لجرحاها، قرر تعزيز دوره في الحرب ضد هذه التنظيمات، بعدما أدرك جيداً الخطر الذي تشكله على أمنه وإستقراره، ووصول تنظيم داعش إلى المنطقة المحاذية لحدوده الشرقية، وتمدده باتجاه حدوده الشمالية مع سورية، يثير علامات إستفهام هامة لدى الأردنيين، حول ما إذا كان بلدهم لا يزال خطاً أحمر ضد الإرهاب، وعما إذا كان التحالف الدولي الذي يحارب التنظيم لديه الإرادة والقدرة لحماية الأردن؟، خاصة أن هناك حالة تأهب غير معلنة في صفوف قوات الجيش والأجهزة الأمنية في الأردن لمواجهة تطورات محتملة في الفترة القادمة.
لا شك أن الإرهاب قد أصبح اليوم من أخطر ما يهدد أمن الإنسانية جمعاء ويشكل خطراً على مصالحها الحيوية، فإغراق سورية بالسلاح وإزدياد التنظيمات المسلحة وتصدير كرات النار وقذفها من يديها إلى أية جهة مجاورة، كل هذا يدعو إلى التنبه لما يسمى فوضى الحدود السورية- الأردنية التي بدأت تشهد محاولة تصدير السلاح من سورية إلى الأردن، وهنا فالطرف الأقرب من الجحيم السوري والأكثر تضرراً من إستمرار الكارثة السورية هو الأردن، وفي ضوء التقارير الإستخباراتية التي تتحدث عن خطط إرهابية لضرب الإستقرار في الساحة الأردنية، وجهت بعض الدول تحذيرات الى الأردن من مخططات لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مؤسسات رسمية وحيوية أردنية، وأهم هذه المخططات ضخ إرهابيين عبر الحدود الأردنية مع العراق وسورية الى داخل الاردن، حيث أن هناك خلايا إرهابية نائمة دفعت بها دول راعية للارهاب، وفرار المجموعات المسلحة من الضغط الذي تتعرض له من جانب القوات السورية الى الساحة الأردنية، فضلاً أن هناك تعاطف من جانب عشائر أردنية، لها أبناء يعملون في صفوف المجموعات المسلحة، في هذا السياق يقول بول كروشانك، محلل شؤون الإرهاب، إن تنظيم داعش لديه بصمة ودعم بالأردن، وأن هناك أكثر من 2000 أردني سافروا إلى سورية والعراق والعديد منهم إنضموا إلى تنظيم داعش، بالإضافة الى وجود أكثر من عشرة آلاف متشدد إسلامي في المملكة، فضلاً من أن هناك أيضا مظاهرات مؤيدة لداعش في مناطق بالأردن عندما تم الإعلان عن الخلافة، ومن المرجح ألا تكون هناك صعوبة بإيجاد أشخاص موالين لهذا التنظيم.
اليوم وبعد مرور خمس سنوات على الأزمة السورية وتحولها إلى بركان خطير باتت نيرانه وتداعياته قادرة على إستهداف الجميع، يجد الأردن نفسه مضطراً لإيجاد شريك فاعل وحقيقي في الجانب السوري، ليس فقط من أجل تنسيق عمليات مكافحة القوى المتطرفة بل أيضاً للحفاظ على أمنه القومي، خصوصاً أن الأردن يدخل المرحلة الراهنة مع تزايد خطر نشوء إمارات إرهابية في المناطق الحدودية قد يصعب السيطرة عليها في المستقبل، قي هذا الإطار فإن معادلة التغيير الأخيرة في سورية، منذ إندلاع معارك إستعادة الزبداني التي أربكت الأعداء وتمكن الجيش من الحسم السريع, ومحاولة إستعادة الجزء الشرقي من سهل الغاب بريف حماة، وبدء الإعداد عملياً للتقدم نحو مناطق ريف إدلب الجنوبي، وصمود حلب وفشل الهجوم الذي شنته عشرات الفصائل المسلحة تحت مسمّى "عاصفة الجنوب"، وصولاً إلى التلويح بإيجاد منطقة عازلة في الشمال والجنوب وفشلها، تعيد ترسيخ القناعة بأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد لإنهاء الصراع في سورية، وضمن هذا المناخ تعود أهمية مكافحة الإرهاب سبيلاً مهماً لإجراء تغيير جذري في المواقف و السير نحو تفكير مستقبلي يضع نهاية للأزمة من خلال تشكيل تحالف جديد من أجل مواجهة خطر الإرهاب ووضع حداً لتنظيم لداعش الذي يستفحل خطره على المنطقة كل يوم.
في سياق متصل إن التحالف الدولي بزعامة أمريكا الذي بدأ منذ سنوات بقصف مستمر على التنظيم في العراق وسورية، ما يزال غير قادر على حسم هذه المواجهة، وبالمقابل فإن الأردن من حيث الإمكانيات العسكرية والظروف الإقتصادية غير قادر لوحده على مواجهة خطر الإرهاب الذي يتدفق على المنطقة من كل حدب وصوب، لذلك فإن الأردن وهو على أعتاب الخطر لا يدفع فقط ثمن فشل التحالف في الحسم العسكري، بل فشل القوى الدولية والإقليمية في الاتفاق على الحل السياسي، ومن هنا فإن الأردن الذي ظل ملاذاً آمناً للهاربين من ساحات القتال أو جحيم التطرف والتعصب، لم يعد آمناً على نفسه رغم كل الإحتياطات الأمنية، ومن هنا فإن الأردن أصبح رهينة لأوضاع إقليمية ودولية لا يملك دفة توجيهها، في هذا الإطار إن الأردن أمام مأزق خطير لذلك سيكون من الحكمة إعادة فتح قناة إتصال مع الدولة السورية لمكافحة خطر داعش، وبالمقابل إن الظروف الأمنية المضطربة التي يشهدها الإقليم ترفع سقف التحديات الأمنية أمام الأردن ، مما ينبئ بأنه ربما يشارك في المستقبل القريب في ضرب الجهاديين خارج حدودها من خلال دعم القبائل العربية في البلدان المجاورة، فقد أشار الملك الأردني عبدالله الثاني إلى استعداد بلاده لدعم القبائل العربية في شرق سورية وغرب العراق لقتال داعش.
مجملاً....لقد أثبتت سورية أنها الوحيدة والقادرة على هزيمة الإرهاب وأنها صمام الأمان في المنطقة، فالنصر السوري وهزيمة المشروع الغربي حتمية ... وأن سورية هي المنقذ الوحيد لتحقيق الأمن في المنطقة، بالتالي فإن الغرب الذي أدار الصراع في سورية خسر رهانه على أن يكون هو الراعي وبيده ورقة داعش لكن في الحقيقة سقط هذا الرهان لأن أبناء الشعب السوري على مختلف المكونات والأطياف وقفوا صفاً واحداً للقضاء على داعش وطردها من وطننا الكبير سورية، وأخيراً يمكنني القول إن سورية في المرحلة القادمة قد تشهد تطوراً كبيراً في ساحة المعركة، فالتقدم الميداني سيرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، مغايرة تماماً لما كان يعدّ للمنطقة بعد الربيع العربي، فالدول التي أرادت أميركا وحلفاؤها إضعافها وتقسيمها، تفرض أجندتها الوطنية وتغير المعادلة، وتفرض على واشنطن إعادة النظر في حساباتها ومعطياتها.