فقه السلطة النيبوتي
أصبحت عائلة المصطلحات المتعلقة بانظمة الحكم كالباترياركية والثيوقراطية والاوتوقراطية اكثر رواجا في هذه الاونة بسبب ما يبث عبر الفضائيات من برامج حوارية يستعرض فيها من يطلق عليهم اسم الخبراء الاستراتيجيين هذه المفردات العصيّة على الترجمة فتبدو ذات وميض فوسفوري يخطف الاسماع والابصار معا .
ورغم ان هذه القائمة اشبه بقائمة طعام في مطعم فرنسي لا تثير شهية من لا يعرفها ولم يسمع بها الا انها اصبحت ضرورية للتعبير عن واقع الحال، اما المصطلح الأدق في التعبير عن انظمة سياسية اسقطت خلال الاعوام القليلة الماضية فهو قد يبدو غريبا وغير مألوف لأنه مشتق من كلمة ايطالية تعني حكم الاقارب، لهذا تقول الكاتبة مورال فايسباخ في كتابها المكرس للتحليل النفسي لأربعة من الزعماء العرب المخلوعين ان هذا المصطلح هو الأدق بالفعل في وصف ما آلت اليه تلك النظم، التي كان عقب آخيل فيها والذي ادى الى تساقطها تباعا هو ( النيبوتية ) اي تحول الاوطان الى شركات وغنائم، وفي المقدمة منها تونس واليمن، حيث اصبح الاقتصاد في البلدين خلال عقدين من الزمن رهينة للأصهار والاقارب .
وسبب تحول النيبوتيّة الى عقب آخيل ونقطة ضعف لتلك الانظمة هو ادراك الشعوب بأنها منهوبة ويمارس عليها السّطو بالقوة، وما من سبيل لاستعادة حقوقها الا بخلع تلك النظم من جذورها، لكن ليس كل ما تتمنى الشعوب تدركه، لأن العواصف لا الرياح تجري بما لا يشتهي قباطنة القوارب الشراعية او الورقية، ويقترن مصطلح النيبوتية بحكم رجال المال ايضا، بعد ان اصبحت المزاوجة والمصاهرة بين الحاكم واصحاب رؤوس الاموال عرفا يستمد شرعيته من الأمر الواقع، لهذا فهي شرعية مؤقتة ولا مستقبل لها .
لقذ انتهى عقد القران بين المال والثقافة في العديد من التجارب الى طلاق بائن بينونة كبرى، لكن هذا القران قدر تعلقه بالسياسة ونظم الحكم انتهى الى الخُلع، وذلك لسبب بسيط هو ان المال لا يعترف بغير المال ورجال الاعمال لا يرون ما هو ابعد من مصالحهم المباشرة، فالرّبح هو المعيار الوحيد الذي يحتكمون اليه في اللحظة الحاسمة، اما كل ما غير ذلك فهو فقاعات في الهواء ! لقد افرزت المعادلة العرجاء التي تفضل الولاء على الكفاءة مثل هذه الظواهر ، لكن المفارقة هي انّ من حكموا بالجملة وبطريقة نيبوتية رحلوا ايضا بالجملة وبالنّبوت ومن سرّه زمن ساءته ازمان !