بانتظار الزلزال الكبير !
هناك من يعتقد, وهو اعتقاد صحيح, أن ما بقيت تتعرض له هذه المنطقة منذ أعوام عدة سوف يستمر ربما لعشرين عاماً أو أكثر وأن الزلزال الكبير «المدمِّر» لم يأت بعد وإن كل ما جرى ليس منذ بداية «الربيع العربي» وإنما منذ غزو العراق هو مجرد هزات تمهيدية ولذلك فإنه علينا في هذا البلد, المملكة الأردنية الهاشمية, أنْ نشد أحزمتنا فـ «الشقيُّ من اتعظ بنفسه والسعيد من اتعظ بغيره» .
أبداً لم يأت هذا الذي ضرب بعض الدول العربية مفاجئاً.. إنه نتاج مقدمات استمرت منذ «انفراط» عقد الإمبراطورية العثمانية في العقد الثاني من القرن العشرين فالخرائط التي رُسمت وفقاً لما ترتب على الحرب العالمية الأولى إن لم تكن «تآمرية» فهي على أقل تقدير اعتباطية ثم وإن أمواج عصر الانقلابات العسكرية هي من أوصل بلداننا وشعوبنا وأمتنا إلى هذا الذي وصلت إليه.. ويبدو أن القادم سيكون أعظم وأسوأ!!
إن قِصرَ النظر هو ما يجعل البعض من الذين يعتبرون أنفسهم مَنْ يصنع التاريخ يرون أنَّ ما بدأ في عام 2011 هو مجرد «زوبعة» عابرة وأن هذه الزوبعة ستمر بسلام وأن الأمور ستعود إلى مسارها السابق وأن حركة التاريخ ستعود إلى سياق القرن الماضي الذي بدأ بالعديد من المؤامرات الكبرى والذي كانت الانقلابات العسكرية التي سُمِّيت «ثورات» عنوانه الرئيسي وكان ضياع فلسطين أسوأ محطاته البائسة وكان تمزق العرب هو ما أوصلهم إلى ما وصلوا إليه .
والآن ورغم كل ما حصل ومع أن واقع الحال يشير إلى مستقبل مظلم أسوأ فإن هناك من لا زالوا يختبئون وراء أصابعهم تهرباً من رؤية الحقائق وإمعاناً في الكذب على أنفسهم وعلى غيرهم وهذا يعني أنَّ هؤلاء يتحاشون الاعتراف بأنهم ومعهم بلدانهم وشعوبهم ينامون فوق بركان خامدٍ ظاهرياً وهو في الحقيقة جاهز للانفجار في أي لحظة .
وهكذا ولأننا في هذا البلد جزء رئيسي من هذه المنطقة فإنه علينا ألَّا نعتقد ولا للحظة واحدة إن كل هذا الذي يجري حولنا سيبقى بعيداً عنَّا إن لم نبق في حالة استنفار دائم وإنْ لم نفتح عيوننا جيداً وإن لم نتخلَّ عن هذا الاسترخاء الخادع الذي نعيشه وإن لم نضع حدَّاً لعادات وتصرفات وسياسات كثيرة إنْ كانت مقبولة في الأيام «المُقْمرة» السابقة فإنها لم تعد مقبولة وقد أصبحت معظم الدول الشقيقة المجاورة تغرق في العنف وعدم الاستقرار وأصبح تماسكها الوطني مُعرضا للانهيار في أي لحظة .
لا شك في أننا أثبتنا أننا قادرون على الصمود ولا شك في أن أداءنا وبخاصة على مستوى صنع القرار قد جنَّبنا ما تتعرض له بعض الدول الشقيقة القريبة والبعيدة لكن ومع ذلك فإنه علينا ألَّا نبقى ننام على ارائك من «سندسٍ وإستبرق» فالمنطقة التي نقع في قلبها غير مستقرة وكل هذا الذي يجري في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن وليبيا من المفترض أنْ يملي علينا أن نتخلى عن استرخائنا الحالي وأن نتخلى عن مناكفاتنا غير الموضوعية وعن ريائنا وأيضاً عن تكاذبنا على بعضنا بعضاً.. إنه علينا أن ندرك إن ما كان جائزاً بالأمس لم يعد جائزاً اليوم.. إن منطقتنا بانتظار الزلزال الأكبر وإن هذا الذي يجري حولنا هو مجرد هزات تحذيرية ولذلك فإنه علينا أن نكون مستعدين.. ولا نكون كفلاسفة القسطنطينية الذين وصلت إليهم خيول العثمانيين وهم ينخرطون في نقاشات فلسفية سفسطائية بلا نهاية .