الدخول الإسرائيلي من البوابات الخلفية
الدخول الإسرائيلي من البوابات الخلفية للحلول العسكرية المجزأة في القدس والمسجد الاقصى
إذا كانت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية قد أنهت الحلول العسكرية للصراع العربي الإسرائيلي ، وجنحت الأطراف للسلام ، فإن هذا لا يعني أن تدخل إسرائيل من البوابات الخلفية ، وتلجأ للحلول العسكرية المجزأة من خلال استدعاء قواتها الاحتياطية لطرد الفلسطينيين والمقدسيين من القدس ، ومنعهم من أداء الصلاة في المسجد الأقصى ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في تصرفاتها وسلوكياتها بتهيئة الفرصة للمتطرفين اليهود ، وتمكينهم من تدنيس المسجد الأقصى تمهيداً لتحقيق أحد أهداف استراتيجتها بقصد الوصول إلى التقسيم الزماني والمكاني للعبادات في المسجد الاقصى .
لقد انتهجت إسرائيل سياسة انتهازية في ظل البيئة السياسية والعسكرية والأمنية التي تهيمن على الأوضاع في المنطقة العربية والأقليمية لتشن هجمة جديدة على المسجد الأقصى الشريف ، وتضيف خرقاً جديداً لاتفاقية السلام الاردنية الإسرائيلية ، ولكنه أشد وطأة من سابقاته ، مع إدراك إسرائيل بأن البيئة العسكرية والسياسية السائدة في الإقليم تضع السياسة الأردنية بين مطرقة المواقف والأحداث السياسية والعسكرية التي تعج بها دول المنطقة ، وبين سندان الالتزام بالوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس الشريف ، لقد كانت الاختراقات الإسرائيلية لحال المسجد الأقصى في هذه المرة على أشدها ، فاستدعت احتياطها ، وطردت الفلسطينيين والمقدسيين ومنعتهم بالقوة من أداء الصلاة في المسجد الأقصى ، بل أكثر من ذلك قامت بمنع رسميين فلسطينيين من الوصول والدخول إلى المسجد ، وفسحت المجال أمام المتطرفين اليهود بالدخول اليه وإلى باحاته وتدنيس جنباته الطاهرة .
إزاء هذا الوضع الانتهازي بامتياز ، لم يكن أمام الأردن بقيادته الهاشمية إلا الوقوف بكل صلابة وعناد تجاه هذا التحدي ، فقد أدرك جلالة الملك عبدالله الثاني أبعاد هذه الاستراتيجية الرامية إلى الاستفراد بالأردن - الحساس تجاه السياسات والسلوكيات الإسرائيلية التي لها مساس بالمسجد الاقصى - في ظل ظروف سياسية وعسكرية إقليمية ملتهبة ، لكن مثل هذا الموقف الانتهازي لم ولن يفت في عضد الأردن بقيادته الهاشمية ، فوقف بملكه وحكومته وشعبه بجرأة في وجه هذه الغطرسة الإسرائيلية وممارستها التي أقل ما يمكن وصفها بأنها سياسة التخفي والتدليس ، فهي تدعم المتطرفين اليهود ، وتمهد لهم الطريق لدخول الأقصى تكريساً لأهدافها من جانب ، وتسارع في سياستها الخارجية إلى تطمين القيادة الأردنية شفوياً وبالاتصالات الهاتفية بأنه لن يجري أي تغيير على الواقع في المسجد الأقصى من جانب آخر ، فمثل هذه التطمينات لا تسمن ولا تغني في ظل ممارسات إسرائيلية مكشوفة ومخادعة ، وفي ظل أوضاع سياسية وعسكرية إقليمية ودولية لم تنفع فيها حتى الوثائق التي جرى التصديق عليها .
لقد عكس موقف جلالة الملك عبدالله الثاني فهماً واضحاً للسياسة الإسرائيلية ، وترجم إرادة أردنية جريئة إزاء ماتنتهجه إسرائيل ضد الأقصى الشريف ، فأثمر موقفاً صلباً ، وأملى ضرورة قادت إلى توسيع قنوات التنسيق والاتصال مع الزعامات العربية والإسلامية ، متجاوزاً بذلك بعض التقاطعات السياسية مع بعض دول الإقليم في سبيل الحفاظ على الهدف الأكبر المتمثل بصون حرمة المقدسات الإسلامية في القدس التي تشكل همّاً عربياً ةإسلامياً تتصدر فيه المملكة الأردنية الهاشمية المسؤولية عن هذه المقدسات بموجب القانون الدولي واتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية ، مما يعني أن على إسرائيل أن تدرك أنه ليس بوسعها أن تنتهز الفرصة وتستغل الظروف للاستفراد بالأردن لتحقيق خطوة على طريق استراتيجيتها الرامية إلى السيطرة على المسجد الأقصى .
لقد شكّل هذا التحرك السياسي الملكي في الداخل والخارج تأثيراً واسع النطاق في الموقف السياسي الإقليمي والدولي ، وفي الرأي العام العالمي ، وحشّد المواقف للتأثير على حكومة نتنياهو التي تخضع لتأثير المتطرفين اليهود ، وتلتزم بتحقيق أهدافهم قافزة بذلك فوق التزاماتها بموجب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ، وهي بذلك تعفر التراب على راس سياساتها المتقلبة ، مع إدراكها أن ذلك سيترك أثراً بالغاً على نظرة الرأي العام العالمي تجاه سياساتها المتطرفة ، الأمر الذي سيقود إلى تأثير فاعل وربما إلى تغيير في المواقف حتى من قبل الملتزمين بأمنها ودعمها .
كما شكّل التحذير الملكي للسياسة الإسرائيلية بعدم المساس بقواعد اللعبة السياسية في القدس والمسجد الأقصى ورقة قوية وجادة في وجه الحكومة الإسرائيلية لتكف عن ممارساتها ، وحتى لاتضع السياسة الأردنية في زاوية قد تؤدي إلى اتخاذ مواقف لا يرغبها الطرفان الأردني والإسرائيلي فيما يخص العلاقات السياسية بينهما .
لقد حمل التحذير رسالة مضمنة إزاء الاختراقات الإسرائيلية لحال المسجد الأقصى ، فحواها أن لا مجال للمناورة بمثل هذه السياسات المتقلبة والمتغطرسة تجاه القدس والأقصى والاراضي المحتلة ، وإن أي تغيير في قواعد اللعبة السياسية ، حتماً سيقود إلى تغيير في المواقف الأردنية تجاه العلاقات القائمة ، مثلما أن الدخول من البوابات الخلفية للحلول العسكرية لن يأتي إلا بخلخلة غير محمودة لخطوات السلام المعقودة .