الداعية "الكول"
ثمة فراغٌ كبير يلتهم الشباب بمخالبه. شباب متروك للعنف والتفاهة وللمخدرات وللتدين السطحي وآلة الوعظ الجهنمية والدعاة من كل حدبٍ مذهبي وصوبٍ أيديولوجيّ. والحبل متروك على الغارب. فلا وزارة الشباب تنهض، ولا وزارة الثقافة تنتبه، ولا وزارة التعليم العالي في الوارد، ولا وزارة التربية والتعليم تستيقظ! الغفلة عامة طامة، والشباب محتار ما يفعل بطاقته، فيفجرها بالعنف وقلة الأدب وبالتحرُّش بالنساء واستعراض العضلات، ولا يعرف ما يفعل بأوقات فراغه، فيملأها بالانحراف والهوايات المدمرة والإدمان، ولا يستشرف مستقبلاً واعداً بشيء فيقفز على القانون.
في هذا الفراغ الكبير يظهر نبتٌ شيطانيٌّ سرعان ما يترعرع ويمتد ويتسع ليملأ ساحات الجامعات وعقول آلاف الشباب المتعطشة. إنه الداعية "الكول" (Cool) المتخرج من جامعة غربية، والمتتلمذ على برامج التبشير الأميركية التي تصارع الشياطين على المسرح، حيث يرتدي العصريّ من الثياب، ويضع نظارات الغواية فيبدو فارساً للأحلام أو نجماً سينمائياً أكثر منه داعيةً يدعو إلى حسن الخلقِ والأدب مع الله.
وليت هذا الداعية يكتفي بالتشبيح والحذلقة الجسدية والإشارات المبتذلة والمصطلحات السوقية، فهو يهجمُ هجوم الأسد المغوار على المسيحيين، فيكفّر من يهنئهم بعيد أو يخالطهم، وعلى النساء فيمزق عنهن كل ستر وملبس، عارضاً أجسادهن تحت عينه الشبقة وتلمضه السافر. يتحدث عن أفراد في "داعش" فيصفهم بالأنقياء الطاهرين الذين يُستَسقى بهم الغمام! ويقص قصصاً من تأليف مخيلته الملتاثة عن كيف هجم أولاد حارة في دمشق على فتاة غير محجبة وأوسعوها ضرباً حتى فارقت الحياة، في تمجيدٍ لفعل القتل والتحريض عليه.
وكلما طالت يده فتنة طائفية أشعلها، كما فعل في قصة إحدى الفضائيات، فألف مجموعة "أنا مسلم وأطالب بإغلاق فضائية كذا"، على خلفية خطأ إعلامي لا علاقة له بالدين. وبينما حضرته يغمز ويلمز ويملأ كلامه بالتلميحات الجنسية وبجرأة لم يمتلكها أي علماني جاد، يشن هجوماً كاسحاً على تلميح جنسي بدر في أحد البرامج. كما كان شنَّ حملة غير نظيفة على أستاذة جامعية على خلفية أنها مسيحية.
أستاذ وداعية يتخصص في إثارة الفتن، وفي تمزيق الوحدة الوطنية، وفي تحقير وامتهان مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والمجتمع المدني والعلمانية. أستاذ وداعية يسرح ويمرح في جامعته وبين الشباب الجامعي وعلى وسائل الإعلام، دون رقيب حتى من ضميره، موسخا سمعة المؤسسة الدعوية التي يُفترض أنها تحبب الناس بالأخلاق، وتهديهم إلى الحق بأكثر الطرق استقامة ونبلاً.
فإلى متى هذا المنظر الفاسد في لوحة حياتنا الأردنية؟ أليس هو وأمثاله بعض أهم ينابيع الإرهاب؟
دعونا لا نفقد الأمل...!