جملة ملكية تلخص قمة سوتشي
"لطالما قلت بأن الطريق الوحيد لإيجاد حل سياسي في سورية، هو من خلال دوركم القوي شخصيا ولروسيا في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية".
هذه الجملة المكثفة والصريحة، قالها الملك عبدالله الثاني خلال تصريحات مشتركة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبيل لقاء الزعيمين في مدينة سوتشي أول من أمس. وهي تلخص، إلى حد كبير، مقاربة الملك للأزمة في سورية منذ أن اتخذت طابعا دوليا قبل نحو ثلاث سنوات؛ وتفسر السلوك السياسي الأردني تجاه التطورات في سورية، والمواقف التي اتخذها الأردن من دور روسيا الدبلوماسي والعسكري على الجهة الأخرى من حدودنا الشمالية.
لم يكن حلفاء الأردن في الولايات المتحدة وأوروبا يجهلون هذه المقاربة؛ فقبل أن يصرح بها الملك في سوتشي، قالها مرارا في واشنطن وباريس ولندن وبرلين، كما أكد عليها في أكثر من مقابلة صحفية.
ينطلق الملك في موقفه بشأن الدور الحاسم لروسيا في الأزمة السورية من نقطتين أساسيتين: الأولى، إدراكه العميق بأن روسيا لن تتخلى عن مصالحها الاستراتيجية في سورية وحوض "المتوسط" مهما كانت الظروف، خاصة بعد كل التطورات التي وقعت في ليبيا. والثانية، جدية الرئيس بوتين والتزامه الصارم بتطبيق رؤيته حيال مجمل الصراعات الدولية والإقليمية.
مثل هذا الالتزام يثير إعجاب الجانب الأردني، الذي عانى في السنوات الأخيرة من سياسات أميركية وغربية مترددة تجاه قضايا المنطقة، وافتقار الغرب لاستراتيجيات واضحة في التعامل مع الأزمة السورية وتحدي الجماعات الإرهابية.
لم ينفرط تحالف الأردن الاستراتيجي والتاريخي مع الغرب، ولن ينفرط أبدا. لكن ثمة خيبة أمل لا يعبَّر عنها أردنيا في العلن، من مجمل التعامل الغربي مع أزمات الإقليم؛ القضية الفلسطينية، وسورية، والعراق الذي ترك وشأنه فوقع تحت الهيمنة الإيرانية.
خيبة الأمل هذه تفسر، إلى حد كبير، الاندفاعة الأردنية نحو موسكو على جميع المستويات، وصولا إلى التنسيق العسكري والاستخباري المميز في سورية، والذي أشار إليه باهتمام الرئيس الروسي خلال لقائه الملك.
كانت العلاقات بين الأردن وروسيا قوية ونشطة خلال العقد الأخير. لكن التطورات في سورية منحتها أخيرا طابعا استراتيجيا غير مسبوق. وهي تشكل ما يمكن وصفه بلقاء المصالح الكبرى حول أهداف مشتركة، في مقدمتها محاربة الجماعات الإرهابية التي باتت مصدر تهديد لروسيا مثلما هي لدول المنطقة والعالم، وتجنيب الحدود الأردنية مع سورية مفاعيل الصراع في سورية، بخلاف ما يحصل على الحدود مع تركيا مثلا، وحماية مؤسسات الدولة السورية من الانهيار.
يضاف إليها قناعة أردنية راسخة بأن روسيا هي الطرف الوحيد الذي يملك القدرة للضغط على النظام السوري للقبول بعملية انتقال سياسي وفق التصور المتفق عليه دوليا في جنيف وفيينا.
إن أكثر ما يثر قلق الأردن في الآونة الأخيرة، هو تباطؤ الجهود الدولية في محاربة الإرهاب، وانكفاء أطراف عدة عن التزاماتها في إطار التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، في مقابل جدية روسيا والتزامها بخط عمليات متصاعد عسكريا لتحطيم قدرات الجماعات الإرهابية، وصولا إلى القضاء التام عليها، بالتزامن مع حل سياسي للأزمة في سورية.
في كل الأحوال، الثقة القوية والمتبادلة بين الملك وبوتين هي مفتاح العلاقة بين البلدين، وعليها سيبنى الكثير في المستقبل.