تركيا تغيّر قواعد اللعبة
من المتوقع ان يعيد إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية أول من أمس، والذي يبدو ظاهريا أمرا مفاجئا، خلط أوراق الصراع في سورية وعليها، وفي امتدادات هذا الصراع، دوليا واقليميا.
يكاد يجمع المحللون، وتقديرات السياسيين، على أن رد الفعل الروسي المتوقع على الخطوة التركية العدائية، غير المفهومة في سياق وجود تحالف وتنسيق دوليين لمحاربة تنظيم "داعش"، لن ينزلق، لحسابات كثيرة، إلى مستوى الرد العسكري المباشر تجاه تركيا، سواء بصورة شاملة أو محدودة. لكن التقديرات، مع ذلك، تشير إلى أن العلاقات بين روسيا وتركيا دخلت مرحلة "حافة الهاوية"، وأن قواعد اللعبة قد تغيرت، على الأقل بالنسبة لروسيا.
التحليلات لتفسير الخطوة التركية بالتصعيد الخطير مع روسيا تباينت وتنوعت، وإن صبتْ في أغلبها، على اعتبارها تطورا خطيرا ونوعيا، ومفاجئا إلى حد كبير، فيما لن يتوقف التساؤل عن مدى وجود علاقة، أو ضوء أخضر، من قبل الحلف الأطلسي والولايات المتحدة لتركيا واردوغان، للإقدام على هذه المغامرة، وبعث مثل هذه الرسالة القوية لروسيا، المندفعة بكل قوتها في تغيير موازين القوة على الأرض السورية، وبالضد من حلفاء تركيا ومحورها الإقليمي وامتداداته الدولية، الذين دعموا ووفروا شريان الحياة والتضخم لمروحة واسعة من التنظيمات الإرهابية والمسلحة، بما فيها "داعش" ذاته في فترة ما، في حرب الأجندات والمصالح والنفوذ مع إيران وسورية.
روسيا، التي وصف رئيسها بوتين الخطوة العدائية التركية بـ"الطعنة في الظهر من داعمي الإرهاب"، لم تنتظر طويلا، لإرسال رسائلها لتركيا وحلفها، ومن ورائهما الحلف الأطلسي أيضا، عندما أعلنت عن قطع العلاقات العسكرية مع تركيا، وأنّ كل الغارات الروسية الجوية في سورية، ستتم تحت حماية الطائرات المقاتلة، فيما أعلنت أيضا، تعزيز الدفاع الجوي الروسي، في المنطقة وفوق سورية وساحل اللاذقية.
الخطوة الاستراتيجية الأهم، التي اعلنت عنها موسكو أمس، على لسان وزير الدفاع، هي في اعتزام روسيا نشر منظومة "إس- 400" المضادة للطائرات في سورية. وهذه المنظومة، بحسب ما نشرت وكالات الأنباء العالمية أمس، تعتبر الأكثر تطورا في العالم، وهي قادرة على التصدي لجميع أنواع الطائرات الحربية بما فيها طائرة الشبح الأميركية، كما تستطيع اعتراض الصواريخ المجنحة وتدميرها.
المؤشرات والتقديرات، تذهب إلى أن روسيا سترد على الخطوة التركية التصعيدية، عبر تصعيد جهودها العسكرية في سورية ذاتها، وباتجاه تمكين الجيش السوري من بسط المزيد من النفوذ على الأرض، مع التركيز على وقف شريان التغذية القادم من تركيا للفصائل المسلحة، والتصدي لما قالت روسيا إنه توريد نفط "داعش" إلى تركيا إو جهات مرتبطة بتركيا.
فيما تشي التصريحات الروسية بوضوح، بأن الطيران الحربي التركي لن يكون بعد حادثة السوخوي طليقا في العمل في سورية. وفي هذا السياق، كان تصريح رئاسة هيئة الأركان الروسية واضحا أمس، حيث أكدت، بعد إعلانها عن تعزيز منظومة الدفاع الجوي في سورية، أنه "سيتم تدمير كل الأهداف التي تشكل تهديدًا محتملا" للطائرات الروسية.
كذلك، فإن ثمة خيارات عسكرية وسياسية واستراتيجية عديدة أمام روسيا، يمكن أن تلجأ لها في الرد على تغيير قواعد اللعبة من قبل تركيا، حيث لا يستبعد محللون أن تركز روسيا، بالتعاون مع الجيش السوري، على حسم المعارك في جبال التركمان، بالشمال السوري، التي تعد معقلا رئيسيا للنفوذ التركي، ناهيك عن خيار دعم روسيا لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا.
الراهن اليوم، أن الخطوة التركية التصعيدية مع الدب الروسي، غيّرت وستغير معادلات عديدة في الصراع بسورية والإقليم، وأعادت خلط أوراق صراع طويل ومتشعب، يحمل شكليا عنوان الحرب على "داعش" والإرهاب وحق الشعب السوري بالديمقراطية، لكنه في العمق منه، صراع نفوذ ومصالح عالمية واقليمية، تصطرع مباشرة أو بالوكالة، على الأرض السورية، وعلى حساب شعبها ودولتها، وعلى حساب استقرار المنطقة كلها.