وداعاً سوريا وإلى الأبد
تؤكد عناصر المفاجأة وكثرة اللاعبين في مجموعة الحروب "الاقليمية الطائفية" و"الدولية الباردة" الدائرةُ رحاها في سوريا حالياً أن مراهنة العرب على عروبة ووحدة سوريا مستقبلاً باتت وهماً وحلماً غير قابل للتحقيق مهما تغيرت قواعد اللعبة الدولية. العرب يراهنون ومنذ خمسة أعوام على "سوريا ما بعد الأسد" ولكنهم نسوا أو تناسوا مع فارق التشبيه أنهم راهنو من قبل على "عراق ما بعد صدام" فاستيقظوا ذات صباح وإذ بإيران (من خلال أذرعها المتعددة) تبتلع كل مؤسسات الدولة العراقية وتقضي على كل ما هو عربي ... حيث أضحت بلاد الرافدين بين عشية وضحاها حديقة فارسية بإمتياز حالها كحال عربستان من قبل… … الخوف ليس على العراق الذي ذهب وربما للأبد ... لكن الخوف من المراهنة على التركيبة العرقية والطائفية في سوريا … الحقائق على الأرض مخيفة … فالإيرانيون أصبحوا شركاء رئيسيين في كل ما يتعلق بسوريا لأنهم أحسنوا إستغلال ضعف النظام السوري لبسط سيطرتهم على كل ما تبقى من معاقله عدا الساحل وذلك من خلال الإحتلال المباشر وصفقات شراء ضخمة ومشبوهة للأرض وتغير ممنهج للديموغرافيا...
الروس أيضا يتقاسمون كعكة النظام المريض في سوريا وينتزعون زمام المبادرة من الولايات المتحدة وأوروبا ويشرعون بتدخل واحتلال عسكري مباشر في سوريا بعدما تخاذل أوباما (متعمداً) بلاءاته الثلاثة ويدشنون قواعد روسية جديدة في اللاذقية وحمص تحاكي تلك التي في طرطوس ويستبيحون كل ما في سوريا ويحتلون الساحل (الذي أضحى ساحلاً روسياً لا سورياً بامتياز) ويجرون مناورات عسكرية في غياب جيش الدولة المستضيفة!!! ويوقعون إتفاقيات مع الإيرانيين نيابة عن النظام … داعش كذلك أُنشئت وتمددت وتتمدد بمباركة أحياناً وبغض الطرف أحياناً أخرى من قبل إسرائيل وإيران والولايات المتحدة والنظام السوري وتركيا وغيرها ... كل هذا يحدث والعرب ينتظرون سقوط النظام السوري دون أي تحرك مباشر… كل المؤشرات تؤكد حتمية سقوط النظام بالرغم من كل محاولات بقائه ولكننا يومئذٍ نكون قد فقدنا كل شيء على الارض … فبعد تهجير ولجوء أكثر من أربعة عشر مليون سوري داخل وخارج سوريا وبعد سياسة التعاطف وفتح الاحضان المقصودة وغير المسبوقة من أوروبا وأمريكا وكندا للمهاجرين السورين الناجين من ويلات الحروب وسماسرة البحار وبعد منح الجنسية السورية لمئات الالاف من الإيرانيين وغير الإيرانيين وتفريغ مدن من سكانها على أسس طائفية سوف يجد العرب أنفسهم أمام حقائق مرعبة وسينادون قريباً ليوقظوا العروبة في شرايين سوريا ولكن "فَنَادَوا وَّلَاتَ حين مَناص" (أي بعد فوات الأوان)، حيث لن ينفع الفزعويون يومئذٍ فزعتهم لأنهم لم يحسنوا التفكير والإعداد والتنفيذ.
سوريا اليوم غير سوريا عام 2011. العرب الذين وضعوا كل بيضهم في سلة الولايات المتحدة الامريكية لمدة أربعة أعوام من عمر مجموعة الحروب الدائرة في سوريا ليس لديهم أذرع حقيقة وفاعلة على الأرض وسوريا "الدولة الموحدة" أصبحت حقيقة ماضوية غير قابلة للإسترجاع في المنظورين القريب والبعيد. وصول جحافل القيصر الروسي وأساطيل الدول المستعمرة (بريطانيا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة) بكل عدتها وعدديها إلى تخوم العرب يؤكد مرة أخرى أن لُعاب القوى الاستعمارية تسيل من جديد نحو الشرق الاوسط وإن استئصال داعش ما هي إلا أضحوكة وذريعة لإعادة رسم الخارطة وتقسيم التركة من جديد.
بعيداً عن نبوءات مهندس السياسية الامريكية في الشرق الاوسط هنري كسينجر عام 2011 والتي تنبأ فيها بجر روسيا والصين والدول الاستعمارية الى الشرق الاوسط في حرب عالمية ثالثة تنتهي بعالم أُحادي القطبية (أمريكي الهوية) بلا منازع وبإسرائيل العظمى وباحتلال تسع دول عربية، فان سوريا ستؤول في أفضل الأحوال إلى أحد أمريين: الأول أن تقسم إلى دويلات كالدولة العلوية الساحلية (دولة المياه الدافئة لروسيا وبحماية روسيا)، والدولة الداعشية التي ينوي الغرب إطالة أمد بقائها حتى يتم تغير وجه الشرق الاوسط الحالي (وكذلك لتبقى شماعة للتدخل المباشر في كل شؤوننا الداخلية والخارجية وصفقات أسلحتنا)، والدولة الكردية التي ستكون رأس الحربة في زعزعة استقرار ديار بكر وتركيا بشكل عام، عدا عن دول وجيوب طائفية ضعيفة هنا وهناك. أما الإحتمال الآخر فيتمثل في إقامة دولة المحاصصة العرقية والدينية. الخيار الأول سيكون كارثي لإنه سيٌخرج سوريا "الدولة" من الجغرافيا. أما خيار المحاصصة فسيقود إلى إيجاد دولة منزوعة الدسم ومستباحة الحمى على غرار نموذج العراق.
على أي حال نحن لسنا أمام "سوريا ما بعد الأسد" بل أمام "العرب ما بعد سوريا"!!!!… فهل حقاً ودع العرب "سوريا الدولة الموحدة " كما ودعها القائد الروماني قبل 1400 عام (عقب معركة اليرموك) "وداعاً سوريا وإلى الأبد "؟!!!