تنفيس الغضب عند طبقة كبار اللاعبين .. حسين المجالي في رسالة "أولى"
لا يتخيل العقل السياسي والبيروقراطي الأردني التفاعل إيجابياً مع مشهد من طراز ظهور أحد أركان النظام من وزن وزير الداخلية الأسبق حسين المجالي في حالة «إفصاح» وشفافية وهو يتفاعل في لقاء تلفزيوني مع مقدمة برامج ذكية مثل اللبنانية جيزيل خوري متجنباً مطبات الأسئلة الملغمة.
شخصيات من طبيعة الجنرال المجالي لا تظهر عادة على شاشة التلفزيون في اي حالة إفصاحية خصوصا وانها غادرت دوائر القرار والحكم بطريقة مثيرة اصلا ووسط تساؤلات في الرأي العام لا أجوبة شارحة عليها حتى الآن.
قبل أسابيع فقط وبعد مغادرته لموقعه المهم في الهرم الأمني والوزاري الأردني كان الدفاع عن الجنرال المجالي من المحظورات في مقاربات واتصالات شخصية من وزن رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة.
كثيرون في نخبة وصالونات وزوايا أقنية عمان حبسوا الأنفاس عندما أعلنت الإعلامية خوري ان ضيف برنامجها الشهير للأسبوع الحالي سيكون الجنرال المجالي وزير الداخلية ومدير الأمن السابق والمرافق العسكري للملك الراحل حسين بن طلال لسنوات طويلة والسفير المحنك في مملكة البحرين. يتردد أن ما أنجزه المجالي تحديدا في البحرين قبل دخوله دائرة أضواء الوزارة في عمان تم «إفساده» بيروقراطيا وليس أمنيا مؤخرا فالمنامة أوقفت برنامجاً طويل الأمد للاستعانة بقوات نخبة دركية مدربة عملت فيها لسنوات ولا أحد بطبيعة الحال يتطرق لموضوع من هذا النمط.
لكن الأهم أن نخبة من المسؤولين الكبار استعدت لحملة قصف تستهدفها أو تتهمها من المجالي «الغاضب والمستاء»على شاشة تلفزيون «بي بي سي» ومع جيزيل خوري.
بين هؤلاء على الأرجح رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور الذي أصدر بياناً قاسياً بحق المجالي عندما خرج من الوزارة بتهمة «التقصير» في تعديل وزاري أطاح على هامش إحدى وجبات أزمة مدينة معان بثلاثة أقطاب في المؤسسة الأمنية الداخلية بينهم اللواء توفيق طوالبه مدير الأمن العام آنذاك الذي «ناكف» وزيره المجالي لأسباب غامضة حتى الآن.
ضمنيا لم يكشف المجالي أسراراً وتحدث كرجل دولة وتجنب الإفصاحات والأسئلة الحرجة بذكاء.
لكن الأهم انه اختار منبرا تلفزيونيا خارجيا للدفاع عن نفسه ضمنيا وشرح دوره في تثبيت الأمن الداخلي خلال مرحلة الربيع العربي في إنجاز لا ينكره على الرجل حتى خصومه أو متهموه بتجاوز الخطوط الحمراء.
المجالي أحد «رجال القصر»، هؤلاء بالعادة لا يسجلون مقابلات وظهورهم في حد ذاته بصرف النظر عما سيقولونه يعتبر من الأحداث المحيرة والمثيرة للجدل وإن كان المجالي أفلت ببراعة وبصورة عامة من تسجيل تعليقات تظهر غضبه وانزعاجه من الطريقة التي أدت لإقالته قبل عدة اسابيع في الوقت الذي عبر فيه عن الغضب الكأمن بنعومة.
الإفاضة في بعض التفاصيل المتعلقة بخدمة المجالي مع الملك الراحل حسين بن طلال كانت بالتوازي رسالة سياسية أولية والأهم برأي مراقبين سياسيين ان المجالي الذي تحدث كـ»جندي» يوحي ضمنيا بأنه مستعد للتحدث بالمنابر ويتهيأ لمغادرة دوائر الصمت والنسيان التي تضرب كبار البيروقراطيين بالعادة.
رجل آخر من وزن ثقيل ايضا يتهيأ عملياً لخطوة مماثلة بمدلولات معمقة نسبياً. رئيس مجلس الأعيان السابق المخضرم عبد الرؤوف الروابده يغادر خلال اليومين المقبلين الصمت الاجتماعي السياسي بعد الإعلان عن مشاركته المتوقعة في ندوة متخصصة سيكون ابرز المتحدثين فيها الروابده عن ملف «قانون الانتخاب». هنا الأهمية لا تكمن بشخصية يألف الأردنيون اشتباكها معهم بنقاشات تشريعية وسياسية طوال عقود وتجيد مهارات التعاطي مع المنابر ومايكروفونات الرأي العام.
بل تتعلق بنوع الموضوع فالجميع يدرك الآن بأن أحد أبرز الأسباب التي يقال بان الروابده غادر موقعه المهم من اجلها تتمثل في موقفه العلني في اجتماع شهير للجنة القانونية بمجلس النواب من ملف قانون الانتخاب عندما سأل علنا وبصورة استفزازية عن «غياب الأب الشرعي لقانون الانتخاب». سجلت العبارة كجملة مناكفة للروابده رغم انه اوضح مبكرا بأن مقاصدها غياب الحكومة ورموزها عن اجتماع مهم للغاية في غرفة التشريع لقانون الانتخاب الإصلاحي الجديد. وزير التنمية السياسية الدكتور خالد كلالده رد على تساؤل لـ»القدس العربي» حول المسألة بأن الحكومة لم تتغيب كما يقول الروابده فهي لم تدع لحضور الاجتماع بالسلطة التشريعية.
بالعادة لم يكن وزراء جدد في اي حكومة مستعدين لتحمل كلفة الرد على شخصية «لاذعة» وشرسة مثل الروابده لولا معرفة الكلالده بأن الرجل دخل سياق مغادرة موقعه المتصدر في مواجهة عاصفة قانون الانتخاب الجديد.
بكل الأحوال يترقب الجميع بعد ظهور المجالي التلفزيوني ما الذي سيقوله الروابده في أول ظهور مدني علني له وتحديدا حول قانون الانتخاب السبت المقبل. بطبيعة الحال أمام الرجل خياران، التصعيد التشريعي وإمساك قانون الانتخاب الجديد من مكأمن ضعفه أمام الرأي العام أو الاسترسال في وجبة نقاش «فنية» حول مواد القانون من النوع الذي لا يغضب أحدا مع استثمار المناسبة لتمرير «رسائل تهدئة» أو توضيح وشرح.
ومع عدم وجود آمال عريضة بالعودة لصدارة واجهة العمل والإدارة والقرار، تميل «القدس العربي» ومن باب التحليل للخيار الثاني.