متى يَبكي الرجال
هوا الأردن - تمارا الدراوشة
عندما نتحدث عن مسؤول او نستمع لحديث المسؤول ، أياً كان موقع المسؤولية الذي يَشغله ، فإننا ننظر الى جانبٍ واحد فقط ، وهو جانب النقد والإنتقاد ولا بأس ، فكما قالوا دائماً ( عين الناقد بصيرة ).
ما أُريد أن اتحدث عنه هنا ، هو الجانب الإنساني لأحد المسؤولين والذي يتقلد حالياً موقعاً مهماً أعانه الله على حمل مسؤولياته ، الجانب الإنساني هو أن هذا المسؤول وصاحب المعالي ، صَدَف أن تعرضت والدته المُسنًة الى وعكةٍ صحية شديدة ، مما دعا إلى إدخالها أحد المستشفيات الحكومية ، والتي تقع في الأطراف ، وهذا المستشفى قريب من مكان عمل وإقامة هذا المسؤول (شفى الله والدته وكل مريض ).
وبالرغم من البِطانة والحاشية التي تُحيط به ، إلا أنه رفض أن يتدخل أحد في خدمة والدته ، فكان هو من يقوم على خدمتها ، وبشكل ترى فيه عمق العلاقة بين الإبن وأمه ، وأضيف أنه كان وهي على سرير الشفاء , يُقبل يديًها ويُقبل قدميًها وهو يبكي حزناً على الحالة التي اصابت والدته ، ويدعو لها وهو يحاول أن يخفي دموعه ، مما يجعلك ترى صدق رضى الوالدين ومعنى أن الجنة تحت اقدام الأمهات .
هذا جزء من المشهد الإنساني الذي شاهدته صدفة وأنا ازور صديقة لي ترقد على سرير الشفاء ، في ذات المستشفى وبنفس القسم ، وهذا ما دفعني إلى أن اقترب من هذا الإبن الستيني الذي يُقبل أقدام والدته التسعينية ، وبعد أن قمت بزيارة والدته وتمنيت لها الشفاء العاجل ، إقتربت من هذا الإبن البار الذي لا يرى الكثيرين من شخصيته إلا الجانب الرسمي ، والذي يسعى من خلاله إلى تطبيق التعليمات وتنفيذ القوانين ، في حين يرى فيه بعض الأشخاص أن هذه التعليمات وهذه القوانين تضر بمصالحهم الشخصية فيسعوا الى إغتيال الشخصية .
المهم سألته مُباشرة وقلت له ، معاليك لم اتوقع أن ارى يوماً الجانب الحقيقي لشخصيتك ولم اتوقع مدى صدق ونُبل ورقة هذا الجانب ، الذي لم تمحوه السنين ، او تطغى عليه المناصب التي تقلدتها في مسيرتك السياسية .
فأجابني والدموع في عينيه رغم محاولته إخفاءها ، يا إبنتي هذه ليست والدتي فحسب بل هي صديقتي ، فأنا صحوت على هذه الدنيا ولم أرى سواها بعد وفاة والدي رحمه الله وأنا صغير ، فأصرًت والدتي على رعايتي رعايةً تحملت خلالها كل وجع السنين ، فرافقتني في غربتي للدراسة ، ورافقتني في كل مكان كُنت اذهب اليه ، حتى اصبحنا شخصين بروحٍ واحدة ، فأصبحت هي والدتي وصديقتي ورفيقة دربي ، فأنا وهي يجمعنا سقفٌ واحد دائماً وابداً
لم اجد ما أرُد عليه سوى أنني قُلت له كم تمنيت أن يرى الجميع هذا الجانب المُشرق من حياة معاليك ، وأن لا يعتقد الأخرين أن المسؤول شخصٌ قادم من الفضاء ، بلا مشاعر او إنسانية ، فهو إنسان أولآ وآخراً ، لكن أن تكون باراً بوالدتك إلى هذا الحد ، في الوقت الذي تمتلك فيه وحولك كل مُغريات الحياة الزائلة ، فهذا ما لا يتوقعه أحد .
أخيراً فكما نحن ننقد المسؤول وننتقده ، ونركز على ما يُزعجنا من شخصيته ، ارى أنه من العدل أن ننقُل الجانب الإنساني من شخصيته عندما نراه ، فهذا جزءٌ بسيط من مشهد لم استطع إلا أن اكتب عنه ، لأن باقي المشهد هو تصرفات من إبنٍ بار حقاً بوالدته ، تعجزُ كل الكلمات عن وصفه .
(اللهم إشف كل مريض )