متى تشكلت داعش ؟ سيناء نموذجا
عندما تصبح التدابير الأمنية صارمة ومسبوقة بعزلة سياسية وتهميش اقتصادي واقصاء مجتمعي تصبح البيئة خصبة للتذمر المحلي لذا انتقلت سيناء من منطقة هدوء إلى بؤرة اجتذاب لكل متطرف حيث قام هؤلاء بدراسة الخارطة جيدا وتوجهوا لاستراتيجة الانتقال للمكان الذي يخدم طموحهم للسيطرة على أكبر مساحة من الارض لايهام الآخرين أنهم قوة تتشكل ولها القدرة على الضرب في كل مكان فيبنون بذلك استراتيجية ردع جديدة تعتمد الإعلام كوسيلة للتخويف والتشكيك.
فما حدث بعد ثورة 25/يناير /2011 التي أطاحت بحكم الرئيس مبارك وتحول الأنظار الأمنية إلى الداخل لترتيب البيت الداخلي ظهرت داعش وتوطنت هناك وعندما سقط نظام الحكم في بغداد بدات تتشكل داعش وعندما ثار الشعب السوري ظهرت داعش فالبيئة إبان الثورات خصبة ومرتعا مريحا لعصابات داعش .
ومن المعلوم أن الجيوش العربية وجُلها جيوش نظامية إحترفت القتال ضمن خطط تعبوية معينة وتشكيلات مدروسة لكنها اصطدمت بواقع جديد على الأرض لم يكن بالحسبان وهو واقع حرب العصابات الذي ينهك أعتى الجيوش ويستنزف قواها وهذا ما تعتمده داعش ودليل ذلك ما يدور في سوريا فكلما هزموا من منطقة ظهروا في منطقة اخرى حتى أنهم قاربوا احتلال العراق كاملا في لحظة غفلة فرغم القصف والصواريخ الموجهة واعتى الاجهزة الاستخبارية والاقمار الصناعية إلا انهم مازالوا يشكلون قوة لايستهان بها تستنزف الجهد الوطني وتوجه التنمية الى حيث لاتخدم الشعب .
الفوضى في سيناء والكر والفر وانتشار ورواج تجارة الحشيش والتهريب بيئة تحقق أجندات داعش في السيطرة على الارض وانهاك وارهاق الجيش المصري بهدف تقليل تاثيره في مجريات الامور وقد تبلور ذلك بشكل لاشك فيه في اكتوبر عام 2014 وازداد حدته في يوليو 2015 بعد إعلان جماعة أنصار بيت المقدس انضمامها الى تنظيم داعش حيث ظهر للوجود مسمى جديد اعتدى على رجالات القوات المسلحة المصرية بل وصل الامر لاغتيال المدعي العام هشام بركات وبعدها تم الهجوم على اكثر من نقطة للقوات المسلحة المصرية نتج عنها قتل ما يزيد عن 60 جندي مصري .
المناطق الحدية مثل سيناء تحتاج الى رؤية اجتماعية واقتصادية وسياسية لمعالجة عوامل تغذية الانشقاق وتنامي الحركات المناهضة للدولة المركزية خاصة عندما تصبح المناطق الحدية بيئة استقطاب لكل خارج عن القانون وباحث عن الثراء السريع ففي هذه المناطق تنتشر ظاهرة التهريب والنظر لرجالات القوات المسلحة والامن العام على انهم عدو فتتغذى النزعة للخروج من سلطان الدولة الى الانفلات.
إن التهميش الذي عانت منه سيناء منذ عشرات السنين بدأ يلقي بظلاله الآن وعلى الدولة التنبه فلكل فعل رد فعل , لذا على مصر أن تحول سيناء الى منطقة جذب سياحي وان تطور فكر الشباب هناك ليلائم النشاط السياحي هذا يحتاج لمؤتمر على مستوى جامعة الدول العربية يهدف لاستقطاب الاستثمارات العربية لتلك المنطقة لتتحول لبيئة إنتاج بدل أن تكون خنجرا في الخاصرة . خاصة مع تعدد انتماءات من يقطن تلك المنطقة فمنهم من يعد نفسه امتدادا لقبائل الاحساء ومنهم من يعد نفسه امتدادا لقبائل بئر السبع كذلك تطوير خط نقل انبوب الغاز وبدلا من ان تحتاج الدولة لحماية عسكرية للخط الناقل تصبح بذلك الحماية ذاتية وكذلك تستطيع الدولة المصرية ان توجه الناس هناك للنشاط الاقتصادي الزراعي عن طريق انشاء صندوق تطوير سيناء فالحاجة ملحة لربط السكان هناك في الوطن بعد تأمين استقرارهم .
إذن على الدولة – أي دولة – أن تعي خطر تهميش المناطق الحدية وعليها أن توجه برامجها لجعل هذه المناطق خط دفاع أول بدل أن تكون خط هجوم واحتضان للعدو ,فالدولة كمصطلح وكيان أفضل ما وصلت له المدنية الحديثة وهي في خطر ممن يريدون إعادة عصر النهب والسلب واستباحة الدماء والاعراض وتحويل الناس الى شيع تتحارب .