ماذا لو استهدف "داعش" إسرائيل؟
يقول الكاتب الصحفي الأميركي في صحيفة "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، والذي عاد مؤخرا من زيارة لدولة خليجية كبرى، إن قادة في دول خليجية يرتعبون من أن يقدم تنظيم "داعش" الإرهابي على مهاجمة إسرائيل. ويرتعدون خوفا من جعل القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية.
ومرد ذلك بالطبع ليس الخوف على أمن إسرائيل، وإنما التأييد الشعبي الذي يمكن أن يناله هذا التنظيم في الشارع العربي في حال هاجم إسرائيل فعلا.
كأن زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، قد استمع لكلام فريدمان؛ ففي أحدث تسجيل صوتي له، أفرد مساحة للقضية الفلسطينية، في خطوة غير معهودة من تنظيم لم يأت يوما على ذكر فلسطين أو "اليهود" إلا في معرض الخطاب الديني التقليدي.
البغدادي قال في كلمته، إن تنظيم الدولة يستعد "لمعركة تحرير الأقصى"، وإنهم لم ولن ينسوا فلسطين.
لا يمكن الجزم بجدية هذا التهديد، فقد سبق لقيادات في التنظيمات المتطرفة؛ "القاعدة" وغيرها، أن رددت مرات عديدة مثل هذه التهديدات، لكنها لم تستهدف يوما في عملياتها إسرائيل أو مصالحها في الخارج.
وثمة سبب إضافي للقول إن تهديدات البغدادي مجرد عبارات جوفاء لكسب التعاطف والتأييد في الشارع العربي والإسلامي، في وقت يعاني فيه "داعش" من تراجع على أكثر من جبهة، وخسائر كبيرة لمصادر تمويله، بعد الضربات القاصمة التي تلقاها في العراق وسورية، وأقر بها البغدادي في تسجيله الصوتي.
وإذا كان البغدادي معنيا بحق بقضية فلسطين وشعبها، فلماذا تجاهلها طوال الوقت، وانشغل في تدبير عمليات إرهابية في دول عربية وإسلامية وعواصم غربية، كل ضحاياها من الأبرياء والمدنيين؟
لكن دعونا نعُد إلى المقاربة "المرعبة" التي حملها فريدمان بعد زيارة المنطقة؛ ماذا لو أن "داعش" نفذ تهديداته واستهدف إسرائيل فعلا؟
هل يتغير موقف الأغلبية في الرأي العام العربي من التنظيم، فلا يعود جماعة إرهابية في نظرهم؟
هل يكسب حقا دعما شعبيا وتأييدا من الفلسطينيين خصوصا؟
أي موقف ستتخذه الأنظمة العربية حينها؟ وماذا سيكون موقف حركة حماس؛ المقاومة الإسلامية التي ترفع شعار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل؟
على مستوى النخب "الرسمية"، يبدو مثل هذا التحول في المواقف مستبعدا؛ فأغلبيتها كانت تملك الجرأة على إدانة العمليات "الانتحارية" التي تستهدف الإسرائيليين، وتعتبرها أفعالا ضارة بقضية الشعب الفلسطيني.
لكن الفلسطينيين والعرب عموما يشعرون باليأس حاليا، ومن الصعب على عامة الناس في منطقتنا أن يعترضوا على عمليات تستهدف الاحتلال الإسرائيلي، مهما كانت طبيعتها أو هوية منفذيها.
من الناحية العملية، تبدو قدرات "داعش" على اختراق المنظومة الأمنية في إسرائيل محدودة للغاية. لكن التنظيم لن يعجز عن تجنيد عناصر في الساحة الفلسطينية، كما فعل في جميع الدول التي استهدفها في العالم.
وقد لا يستطيع، في حال تمكن من بناء خلايا سرية، تنفيذ عمليات ضخمة كالتي قام بها في بيروت وتونس وباريس، لكن هجوما واحدا يتبناه التنظيم يكفي لفتح سجال طويل في الشارع العربي والفلسطيني.
وينبغي أن نتذكر هنا أن أنظمة وجماعات كثيرة على مدار عقود "استثمرت" في قضية الشعب الفلسطيني وإسرائيل، وجنت تأييدا وشعبية، وأظن أن "داعش" لن يكون استثناء. المتطرفون عادة ما ينجحون في استثمار الإحباط.
إنه سيناريو مرعب فعلا، وسيعمل كثيرون في المنطقة على تجنبه بكل الوسائل.