مثقفو النشرات الفضائية!
أصبح المحدد والمحفز الأول والأخير لحواراتنا هو آخر نشرة أخبار على احدى الفضائيات، وكأن وعينا أصبح شبيها باناء فارغ يبحث عن اي شيء يملؤه، ولأن الفضائيات تحولت الى خنادق وغرف عمليات عسكرية فهي لم تفقد نزاهتها المهنية فقط، بل انقطعت عن كل الهواجس الفكرية والانسانية التي طالما شغلتنا، فالتاريخ وفق هذه التقاويم الفضائية بدأ ليلة امس وسوف ينتهي غدا او بعد غد . ومنذ بضعة اعوام لم اسمع من معظم من التقيتهم خصوصا في مجال عملنا شيئا لا يتعلق بنشرات الاخبار، فالمذيع الان هو بديل المفكر، والناشط خصوصا من فئة الهواة هو بديل المثقف والسؤال ببساطة هو أين ذهبت كل الافكار والاحلام التي شغلت المثقف العربي خلال العقدين الماضيين، وما الذي تم صرفه من الوصفات السياسية او الاجتماعية لأزمات مزمنة؟
وحين كتب الشاعر ناظم حكمت رسالة الى زوجته من السجن قال فيها ان عصرنا لا يتذكر الناس فيه موتاهم اكثر من عام كان متفائلا، لأن الزمن كان غير الزمن والحال غير الحال ولو عاش حتى ايامنا لرأى ان الناس لا يتذكرون موتاهم اكثر من يوم واحد، والمجازر تنسخ بعضها من خلال هذه المتوالية الدموية، وبامكان اي مثقف جدير بهذه التسمية ان يكرر ما يقوله الاطباء لمرضاهم وهو عملنا ما علينا والبقية على الله .
لكن من هو او من هم المثقفون الذين عملوا ما عليهم وتركوا الباقي على الله ؟ هل هم الموسميون الذين يرتدون لكل مناسبة قناعها، ام المعروضون للايجار او البيع في واجهات الميديا ؟ قد يبدو هذا الكلام قاسيا لكنه في الحقيقة اقل من واحد بالالف مما يجب ان يقال، فالخريف الحضاري الذي تساقطت فيه كل الاوراق ولم يبق منها ما يستر العورات السياسية والاخلاقية استطالت انيابه وتمدد حتى قضم الفصول كلّها ! هل نكرر ان ما يجري الان في العالم العربي خطط له وبدقة قبل اربعة عقود على الاقل ؟ وهل سيفاجأ بما يحدث من قرأ تقارير بول فويتس وبرنارد ليفي وبرنارد لويس وسائر البرناردات ؟ لكن المعرفة لا تعفي صاحبها من المسؤولية خصوصا اذا آثر الصمت وتواطأ كي ينجو !! وهل من المعقول ان يتشكل وعينا من آخر نشرة اخبار فضائية ؟؟؟