تحرير الرمادي واستعادة الثقة
قد لا تكون معركة الرمادي ذات أهمية استراتيجية من الناحية العسكرية في الحرب على تنظيم "داعش"، مقارنة بمناطق أخرى يسيطر عليها التنظيم. لكنها تكتسب أهمية سياسية ورمزية، تشكل نقطة تحوّل في الحرب على التنظيم، بخاصة في العراق.
عسكرياً، جاءت عملية تحرير الرمادي بتنسيق عالي المستوى بين القوات العراقية وقوات التحالف الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة والعشائر السُنّية في المنطقة. هذا التنسيق استغرق وقتاً طويلاً من الإعداد والتدريب، إضافة إلى توفير الأسلحة والمعدات الضرورية للجيش العراقي، بخاصة أن "داعش" يتبع أساليب غير تقليدية في مواجهته للقوات الحكومية، مثل زرع المفخخات واستخدام المواطنين دروعاً بشرية، ما يقضي مواجهتها بأساليب تكنولوجية حديثة.
الكل يعلم أن الرمادي ليست الأهم بالنسبة لتنظيم "داعش". وعليه، فخسارتها قد لا تصل إلى المستوى الاستراتيجي. لكنها تعتبر مهمة، لأنها مقدمة للتحضير لتحرير الموصل التي قد تكون المعركة الفاصلة لهزيمة هذا التنظيم الإجرامي.
البعد الآخر المهم من الناحيتين العسكرية والسياسية، هو أن تحرير الرمادي أخذ صفة وطنية لا فئوية، كما حصل في المعارك السابقة مع "داعش"، عندما كانت تشارك في هذه العمليات قوات "الحشد الشعبي" ذات الصبغة الطائفية، والتي غالباً ما كانت تقوم بأعمال النهب والتدمير والتنكيل بالمواطنين السُنّة في المناطق التي يتم تحريرها. وعدم مشاركة هذه القوات يعني أن الدور الإيراني غير موجود في هذه الجهود، والذي طالما كان محط شكوى وتذمر من جانب الولايات المتحدة والقوى السُنّية أيضاً. وقد يُعدّ هذا مؤشراً على تحول في سياسة الحكومة العراقية، بأنها تحاول الابتعاد عن الصبغة الطائفية التي وُصمت بها حكومة نوري المالكي وحزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي أيضا.
إن غياب "الحشد الشعبي" والقوات الإيرانية عن مسرح هذه المعركة، ينطوي على بعدين رمزيين، قد يشكلان مدخلاً مهماً ليس فقط لضمان تعاون القوى السُنّية مع الحكومة في المستقبل، وإنما أيضاً لمستقبل العراق بشكل عام.
أولهما، أن الجيش والقوى الأمنية العراقية التي انهارت بشكل سريع أمام "داعش" قبل عام ونصف العام، تستعيد ثقتها بنفسها وقدراتها، ما يمنحها أيضاً استقلالية عن القوات الإيرانية وقوات "الحشد الشعبي" التي شكلت الركيزة للسياسة العراقية في السنوات الماضية. وثانيهما، أن ذلك يعيد نسج العلاقة مع سُنّة العراق، التي تعرضت لخلل وتشويه كبيرين بسبب هيمنة المليشيات الشيعية وقوات الحرس الثوري الإيراني على الحكومة العراقية. واستعادة الثقة بين الحكومة والمكون السُنّي مسألة غاية في الأهمية إذا تكللت بالنجاح، ستكون لها نتائج إيجابية على مستقبل الدولة العراقية.
إن تحرير الرمادي أدى إلى استعادة ثقة الجيش والقوات العراقية بنفسها وقدراتها. وإذا ما تكللت عملية إدارة المدينة بالنجاح، فسيؤدي ذلك أيضاً الى استعادة الثقة المفقودة بين المكون السُنّي والحكومة العراقية.
إذن، تكمن أهمية هذه العملية برمزيتها السياسية والمعنوية لا العسكرية فقط. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة العراقية يكمن في ما إذا كان هذا المثال (معركة الرمادي) قابلاً للتعميم على المعارك الأخرى، بخاصة معركتي الفلوجة والموصل المنتظرتين. وما إذا كانت الحكومة العراقية قادرة على منع "الحشد الشعبي" وقوات الحرس الثوري الإيراني من المشاركة في المعارك المقبلة أم لا؟ هذا هو التحدي للحكومة العراقية، والذي إذا ما تم تجاوزه، فإنه سيشكل ضربة لمشاريع التقسيم التي يهدد شبحها العراق.