الصبر على جور المسئولين
هوا الأردن - الدكتور أنيس الخصاونة
خاطبنا رب العزة في محكم كتابه العزيز عن أهل الجنة: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ [الرعد:24]، وقال سبحانه وتعالي عن الصابرين في موقع آخر أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً [الفرقان:75]، والصبر أنواع كثيرة منها الصبر على العبادة وواجباتها والمحافظة عليها، والصبر على فقدان عزيز ،والصبر على الفقر وضيق ذات اليد ، والصبر على تربية الأولاد وأحيانا عقوقهم ناهيك عن الصبر على المرض والألم وظلم ذوي القربى وغير ذلك.
لكني أجد نفسي محتارا في أجر الصبر على ظلم المسئولين وأولي الأمر لشعوبهم ومواطنيهم واستباحتهم مقدرات بلادهم ،والانتفاع والتربح من وظائفهم ، وعدم العدل بين الناس ،وتقريب المنافقين والسحيجة ،وعزل المعارضين واستبعادهم من نيل الفرص المستحقة لهم ، وتسليط الأجهزة الأمنية على من لا يسير في ركب النظام والمسئولين.
من جانب آخر فإن المرء يتساءل فيما إذا كان الظلم الواقع على الرعية من قبل المسئولين وأولي الأمر حاكما أو أميرا كان أو رئيس وزراء او وزيرا او رئيس جامعة أو رئيس بلدية أو من هم في حكمهم هو نتيجة لسلوك المواطنين واستكانتهم وظلمهم لأنفسهم ولعدم مجاهرتهم برفض الباطل والدفاع عن الحق وذلك انطلاقا من قول رب العزة ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ (الأنعام: 129 ) ،فإذا أرادت الرعية أن تتخلص من ظلم المسئولين وأولي الأمر، فليتترك الظلم .أنا أعلم تماما بأن الظلم فيه عقوبات للظلمة ملوكا كانوا أو رؤساء حكومات أو غيرهم ولكني أعتقد بأن الصبر على الحكام الظالمين ومن هم دونهم ربما فيه أيضا أجر عند الله للمواطنين شريطة عدم استمراء المواطنين لهذا الظلم والسكوت عليه حيث أن مقاومة الحكام الظالمين هي عبادة وإلا كيف يمكن تفسير ثورة المواطنين في تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن؟.
أعتقد أن ذلك أيضا فيه عبادة وأجر حيث أن المنظور الإسلامي لدعم الحاكم والسير وراءه ليس مطلقا كما أنه ليس مستندا للعبودية والطاعة العمياء وأستذكر هنا ما قاله خليفة رسوله أبا بكر رضي الله عنه عندما بويع بالخلافة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، ...أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
نسأل الله أن يجعل لنا في صبرنا على اولي الأمر فينا أجرا فنحن نعاني كثيرا ونقاوم كثيرا ولكنهم ماضون في غيهم وظلمهم فيارب نسألك في مطلع هذا العام الجديد بأن ترفع ظلمهم عنا وأن تنتقم منهم ومن ناصرهم ومن زين لهم الظلم فهم قد بغوا في الأرض وأهلكوا الحرث والنسل إنك أنت السميع العليم وصدق رب العزة وهو القائل "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ".