أكثر من أربع سنوات من الموت ..لكنه لا زال حيا
كقروي لم يدرك أهمية عشيرته ومعنى الترابط العائلي فيها و أبهرته بنايات المدينة، كطفل اجتذبته أضواء مدينة الملاهي فانهمك باللعب متناسيا والديه, كببغاء تردد ما تسمع دون وعي و ادراك، كطفل في مراحله الأولى من المسير يجهل اهمية تحديد الجهات والوجهات، توقدت بداخلي شرارة المعارضة العمياء بدافع الشعور بالظلم وعدم التقدير حتى انتهيت بظلام دامس يلفني داخل تابوت محاط باليأس والتشاؤمية والفشل.
أكثر من أربعة أعوام على ما يعرف بالربيع العربي أمضيتها هناك ولكن ..ها أنا اليوم اكسر ذلك الحصار لأخرج مما كنت فيه واستجابة لمناشدات قلمي وجدت نفسي اكتب ما يجول بخاطري عن تجربتي علها تنفع قارئا لها وعلّني استطيع التكفير عن خطاياي بحق نفسي و وطني.
كان مصدر الالهام عندي ابداعا من رحم ألم, ذلك الذي عانيته في المعتقل كنوع من عقوبة استحققتها فقد اتاح لي تواجدي هناك ادراك مدى القساوة و البشاعة في قلوب ذئاب بشرية تتربص أمن المجتمع و ازددت يقينا بأن “الأمن و الأمان” ليس سلعة رخيصة كما يروج البعض بل انها أثمن ما يملكه وطننا الغالي و لنا فيما يحصل في دول الجوار درسا لا ينكره ذوو الألباب.
كان انخراطي بالحراك الشعبي طريقا وعرا جدا لكي أصل الى قناعاتي التي لا أجد تلخيصا افضل لها من قولي “ليس كل ما يلمع ذهبا” فقد تعرفت الى الكثير من أصحاب الشعارات الذين كانوا أوائل من انقلب عليها و قد سرقوا كلماتهم التي تتحدث عن الأمانة ليعجبك حديثهم. لا أبالغ حين أقول بأنني اقتربت من أغلبية شباب الحراك و رغم وجود فئة قليلة شريفة مضلله الا أن الأغلبية كانت أشخاصا فاشلين يبحثون عن تبريرات و منهم من ظن أن الحراك مصدر شهرة و مال و منهم من اراد التجارة بالشباب المغرر بهم في المعتقل و لن انسى طبعا حزبيين قدموا مصالحهم على مصلحة الوطن و لم يفلحوا باخفاء وجههم الديكتاتوري أمام كل عاقل.
نعم.. سأكسر سقف التابوت من مكان عملي الذي لا يمت لدراستي بصلة فقد من الله علي بتخرجي بتقدير ممتاز في تخصص الأدب الانجليزي و كنت ممن بكى بينما كان ينظر لاسمه على لوحة الشرف لكنني اكتب بينما ابيع القهوة و الشاي في كشك أملكه و كم اتمنى ان اكون سهما في قلب ثقافة العيب التي أمقتها.
ما احوجنا لثورة أخلاقيه نحطم بها أصنام الجهل ونطهر بها قلوبنا لنلتف خلف قيادتنا في الحفاظ على أردننا العزيز ولنتذكر كم ان هناك العديد من اصحاب العقارات ممن لا يدفعون ما عليهم للدولة والعديد ممن يحاول تضليل قضائنا بل حتى أن العديد منا لا ينتمي لبيته واسرته ولا يعتمد الصدق منهجا في تعامله مع الناس.
نعم.. ان الترابط في قريتي أبهى وأجمل, و مدينة الملاهي تلك لن تبدو سوى مدينة اشباح لطفل ضاع عن والديه والقدرة على تحديد الاتجاه اكثر اهمية من المسير وأتمنى اخيرا أن تقبل أمي الأردن اعتذاري وانني لأقسم لها بأن طعم حليبها ما غاب يوما عن شفتاي.