امريكا تواصل ارتكاب الأخطاء المدمرة في سوريا
في بداية الثورة السورية ارتكبت امريكا خطأ فادحا هو المسؤول عن جزء كبير من المأساة الراهنة ، لقد تخلت عن دعم الجيش الحر الذي كان يضم عشرات الالاف من الجنود المنشقين من خلال فرض حصار يحظر توريد الأسلحة الفعالة اليه ،خاصة مضادات الطائرات والصواريخ المضادة للدروع ، وبذلك تركته ومعه مجمل المدن والقرى مستباحا بصواريخ سكود والغارات الجوية واخيرا البراميل المتفجرة . لم يكن لهذا الحصار من تفسير غير الادعاء بان التنظيمات المسلحة التي تقاتل الأسد معظمها اسلامية وهو ما جر الى تبني الوهم القائل بان اضعاف المعارضة عسكريا سيساعد في إيجاد حل سياسي من خلال حصر النيران على الارض السورية .
ما حدث خلال السنوات الخمسة الماضية نتيجة هذا الموقف هو العكس تماما : ١- اضعاف الائتلاف الوطني السياسي وذلك بحرمانه من وجود جيش حر قوي قادر على دعم رؤاه السياسية لمستقبل سوريا ، المتمثّلة باقامة نظام ديموقراطي يحافظ على وحدة البلاد ووحدة جميع فئات الشعب وطوائفه . ٢- ادى ضعف الجيش الحر الى تقوية التنظيمات الراديكالية والمتطرفة ذات الطابع الاسلامي ٣- ظهور داعش كقوة روجت لنفسها بانها تقاتل للدفاع عن أهل السنة بوجه المليشيات الطائفية التي تقاتل مع النظام بدعم من ايران مثل حزب الله وعصائب الحق الشيعية العراقية ومثيلتها الافغانية .
لو لم ترتكب امريكا هذا الخطأ الاستراتيجي القاتل للشعب السوري فان فرصة وجود جيش حر قوي يقف خلف ائتلاف سياسي وطني معتدل كان يمثل فرصة كبيرة لخلق توازن عسكري ضاغط في الميدان ، لو حدث فانه كان سيدفع بالنظام ، ومن يقف معه من اتباع ايران ، الى مائدة تفاوض جاد مع المعارضة بعد " اتفاق جنيف ١" مباشرة ، ولكانت احتمالات انتهاء الحرب في العامين السابقين كبيرة جداً .
تصريحات قادة الائتلاف الوطني المعارض حول لقاءهم مع جون كيري مطلع هذا الأسبوع ، توحي بان واشنطن تواصل ارتكاب الأخطاء المدمرة في سوريا ، لان الوزير الامريكي خلال لقاءه بالمعارضة بدا وكأنه يتبنى المواقف الروسية والايرانية واذا كان ذلك موقفا أمريكيا مستجدا فان يمثل طعنة في ظهر الشعب السوري ، كما يمهد الطريق امام مواصلة آلة الحرب الروسية والايرانية في ارتكاب حملات التدمير والتهجير بهدف اذلال السوريين وإخضاعهم .
اذا كانت امريكا تريد فعلا إنجاح محادثات جنيف فعليها ان تصلح ما أفسدته في سوريا . اما صمتها على الاحتلال الروسي الايراني ، وتبني سياسة ممارسة الحصار والضغوط على الائتلاف السوري المعارض فانه لا يصنع سلاما في سوريا انما هو تكرار لما ارتكبته واشنطن في العراق منذ عام ٢٠١٠ عندما صمتت على الاحتلال الايراني المباشر وغير المباشر وتخلت عن تعهداتها لمقاومة الانبار وصلاح الدين ( التي أنهت الحرب ضد الاحتلال الامريكي ) فكانت النتيجة تمزيق العراق وتحويله الى ميدان حرب طائفية لا تبقي ولا تذر قتل فيها مئات الالاف وهجر اكثر من ٣ ملايين عراقي . فهل تريد واشنطن ان تسلم سوريا لإيران وروسيا في جنيف ٣ بتخليها عن دعم مطالب الائتلاف المعارض ليكون مصيرها كمصير العراق !؟.
اذا كان اوباما ومعه كل من يريد في هذا العالم هزيمة الارهاب واقامة نظام ديموقراطي لكل السوريين فان العنوان هو في الائتلاف الوطني السوري (وفي هئية التفاوض العليا ) الذي يمثل برنامجه مطالب جميع الفئات والطوائف من اجل سوريا جديدة خالية من الارهاب والتطرف والديكتاتورية ، الائتلاف يضم ممثلين غير منحازين من الأكراد والتركمان والدروز والمسيحيين والسنة ، انحيازهم هو للاغلبية من الشعب السوري الذي يقدم التضحيات على مسرح حرب النفوذ والتطرف والارهاب . وان وجود ممثلين لجيش الاسلام واحرار الشام في الهيئة العليا للمفاوضات التي شكلها الائتلاف هو من افضل وأشجع الخطوات ، لان وجود ممثلين من قيادات عسكرية اسلامية معتدلة في الوفد المفاوض هو خطوة لجذب التيارات الاسلامية المعتدلة الى مظلة نظام تعددي مدني يضم الجميع بمواجهة مشاريع دويلات الارهاب والتطرف وخاصة دولة داعش .
في محادثات جنيف المقبلة ستتبنى روسيا وإيران دعم الديكتاتورية باسم محاربة الارهاب وهذا لن يصنع السلام بين السوريين ولا يحقق أهداف ثورتهم التي رفعوها في الاشهر الاولى في مظاهرات كان شعارها : ( سلمية .. سلميه ) ، فهل تريد امريكا اعادة انتاج النظام الديكتاتوري في دمشق بابتعادها عن برنامج الائتلاف واقترابها من المواقف الروسية الإيرانية .
وفد المعارضة ان ذهب الى جنيف سيتبنى برنامج الائتلاف الوطني الذي ان تحقق على الارض سيجعل سوريا نظيفة من الارهاب ومن الديكتاتورية ومن الطائفية ، غير ان مواقف كيري الجديدة التي أبلغها للمعارضة في اللقاء الأخير بالرياض تجعل ادارة اوباما اقرب الى تبني مشروع الديكتاتورية بمواجهة مشروع الائتلاف الحضاري لمستقبل سوريا ، هذه المواقف الامريكية تقود الى حماقة اسوأ من الحماقة التي ارتكبتها امريكا في العراق ، وهي لن تصنع السلام انما تفتح الباب على مصراعيه لحرب لن تهدأ نارها لعشرات السنين المقبلة ، وان في احوال العراق الراهنة بعد ١٣ عاما من التدخلات الامريكية والايرانية أمثولة لكل من يريد ان يعتبر .
ملاحظة : قد يقول قائل : من قال بان الائتلاف يمثل الشعب السوري او هو مفوض منه للتفاوض باسمه ؟. وجوابي هو : ان هذه هي ميزة تحسب له ، لانه لا يمثل فصائل مسلحة انما هو ( ببرنامجه لمستقبل سوريا ) وبخلفيات أشخاصه العلمية والثقافية والجهوية والإثنية والطائفية غير المنحازة ، يمثل الأهداف والتطلعات لأغلبية السوريين الذين لا ينتمون لتنظيمات مقاتلة ولا ينحازون لرايات عصبوية انفصالية طائفية واثنية ، اي ان دعم وفد الائتلاف او ( وفد هئية المفاوضات العليا ) انما هو دعم لسوريا المستقبل التي يتطلع الى أقامتها السوريين ، ضحايا هذه الحرب الوحشية ، وهذا اقل ما تستحقه الاغلبية العظمى من السوريين التي قدمت من التضحيات ما تنؤ عن حمله الجبال .