فرنسا.. الوجه الآخر
لم يكن الاستعمار الفرنسي أقلّ توحشا من اي استعمار آخر، والمجازر التي ارتكبها في الجزائر نحفظها عن ظهر قلب وقلم معا، لكن بالمقابل كان هناك وما يزال لفرنسا وجه آخر جسّده مثقفون اعلنوا العصيان على استراتيجية بلادهم وفي ذروة التسلط العسكري على الجزائر صدر بيان المئة وخمسة وعشرين كاتبا وكان من ابرز من وقّعوا عليه سارتر، وطالب هؤلاء الكتّاب حكومتهم بالخروج من الجزائر، وبالتالي الاقرار بحقها في الاستقلال.
وحين اصدر فوكوياما كتابه عن النظام العالمي الجديد كانت الردود الجادة قد جاءت من فرنسا اولا، وكما ان هناك مثقفين فرنسيين ربطوا اقلامهم بأصابع جنرالات الناتو فإن بالمقابل من تصدوا لهم وخير مثال ما كتبه ألان غريش عن برنارد ليفي وعن تناقضاته خصوصا ما كتبه ليفي عن غزة بحبرٍ مغشوش.
وفي هذه الاونة الحرجة، صدرت عدة كتب في فرنسا يدين اصحابها سياسة بلادهم في الشرق الاوسط وبالتحديد في سوريا، منها كتاب ميشيل رامبو الذي ينتقد بشدة سياسة فرنسا وبالتالي يرصد الاخطاء في مجمل استراتيجيتها.
الوجه الاخر لفرنسا هو ايضا الوجه الاخر لاوروبا بالتحديد، فمقابل الجنرال الذي يملك شهوة سمكة قرش ويسيل لعابه على دم الضحية هناك المثقف الذي يعتذر، وحين كانت فرنسا تفرض لغتها على مستعمراتها العربية في الشمال الافريقي، كان هناك من يدافعون عن الابجدية ومنهم جاك بيرك الذي وصفها بأنها لغة رسولية ومشحونة بهاجس كوني، اما اندريه ميكيل فقد كتب بها شعرا قال انه لا يستطيع كتابته بلغته الام وهي الفرنسية . ان ما يكتب الان في فرنسا عن الشرق الاوسط وأزماته المُزمنة هو تغريد خارج سرب طائرات الناتو ونعيقها في سماوات العرب.
حتى الاحداث الارهابية بدءا من مجلة تشارلي ايبدو حتى مذبحة المسرح، لم توظف لدى المثقفين لصالح استراتيجيات كلاسيكية، ومنهم من حمّل الغرب نفسه المسؤولية في صناعة جماعات ارهابية، اضافة الى دوره في الشقاء الذي تعيشه الشعوب الفقيرة.
وما ظهر قبل اعوام على استحياء وبدرجة من التحفظ في فرنسا بدأ الان يتمدد ويتخلى عن تحفظه لادانة سياسات مثقلة بموروث كولونيالي!