السر العميق !
حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم يعرفون الأردن جيدا ، يكتشفون من وقت لآخر أنهم لم يدركوا سره العميق بعد ، فهو يفاجئهم بما لا يخطر على بال ، فما بالك بمن لا يعرفون سوى أنه بلد صغير محدود الموارد ، يناضل في سبيل التغلب على الصعاب الداخلية ، والتهديدات الخارجية ، وهم كذلك معجبون به حين يرونه صامدا في وجه كل تلك التحديات ، صابرا مرابطا ، مثل جندي يحفظ كلمة السر في عقله وقلبه ولا ينطق بها لعدو ولا صديق أبدا .
انظر إليهم وهم يحتارون في تفسير استشهاد الرائد البطل راشد حسين الزيود لأنهم قد لا يعلمون الكثير عن الجيش العربي والأجهزة الأمنية ، ولا عن عقيدتهم المستمدة من أول جيش من جيوش النبي العربي الهاشمي محمد صلوات الله وسلامه عليه ، حيث القائد في المقدمة ، هو أول المهاجمين ، فإن انتصر أو استشهد فكل من خلفه كأنهم هو يواصلون المعركة حتى ينالوا إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة !
تلك العقيدة تفسر ذلك السر في أن يحرص القائد الأعلى للقوات المسلحة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين على مواراة شهيده الثرى بنفسه ، يستحضر في وجدانه وقوف النبي الكريم يدفن الشهداء ويقول " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " ويبعث للأشرار رسالته بأن دم شهيدنا لن يذهب هدرا .
وما سر هذه الجموع الزاحفة إلى مضارب عشائر الزيود ، وقبلها إلى مضارب عشائر الكساسبة حين استشهد البطل الطيار معاذ على يد الجماعة الآثمة ذاتها ؟ السر هو أن الأردنيين جميعا أهل لكل شهيد ، لأنه الابن البار ضحى بدمه من أجل سلامتهم وأمنهم ومستقبل أبنائهم .
وماذا عن أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يقدمون الشهداء كل يوم ، حتى ظننا أنهم اعتادوا الشهادة فلا يهزهم الفقد ، فإذا بهم يفتحون بيوت العزاء لابنهم راشد الزيود ، ويطلقون اسمه على الميادين والشوارع ، وكأنهم يقولون بأعلى صوت نحن أهله وعشيرته ، وهو شهيدنا كذلك ، فكل شهدائنا يرتقون إلى السموات العلا في موكب واحد .
ما زال السر أعمق من أن ينكشف ، وما ذلك إلا مفتاح صغير !