الشريف الدكتور
منذ فترة وأنا أفكر كيف سأبدأ حديثي أو من أين سأبدأ وأيضا لمن سأتوجه بحديثي ، فالموضوع الذي سأتحدث بخصوصه هذا اليوم بات مزعجا ومثيرا للاشمئزاز بنفس الوقت .
فمنذ فترة ليست قصيرة أصبحنا نقرأ على صفحات الصحف بعضا من إعلانات التهنئة والتبريك التي تكدر البال والخاطر ، خاصة تلك التي تبدأ بعنوان نبارك للدكتور فلان بن علان بمناسبة حصوله على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة كذا في جمهورية كذا ، ومع تكرار هذه الإعلانات وكثرة حملة هذه الدكتوراه من أفراد المجتمع بدأت أتساءل ما هي الأسس أو الآليات التي تعتمد عليها هذه الجامعات في منح مثل هذه الشهادات .
ففي السابق كنا نقرأ بين الفينة والأخرى عن حصول شخص سياسي مثل وزير أو نائب أو شخصية من العيار الثقيل في بلادنا على مثل هذه الدكتوراه الفخرية وكان يُعلل الأمر بأعمال خيرية أو خدمات إنسانية جليلة قدمها هذا الشخص للمجتمع أو البلد في قطاع معين وبتنا نتقبل هذا الأمر ولو على مضض كنوع من التكريم لهم ، ورغم ذلك كنا نتحدث عن ضرورة ضبط هذا الأمر .
أما الآن وبعد أن زاد الأمر عن حده وتعدى الغايات والأهداف التي كانت تُمنح بموجبها هذه الشهادات هذا إن كان هناك أهداف أو غايات حقيقية ، بات من الضروري إعادة النظر في هذه القضية والبحث والتقصي عن المصادر الحقيقية لمثل هذه الشهادات ، خاصة بعد أن بدأنا نسمع بأسماء عادية من عامة المجتمع تحمل لقب الدكتوراه الفخرية أو التقديرية وأنا هنا لا اقلل من مكانة من يحمل هذه الألقاب ولكن من حقنا في هذا المجتمع أن نعرف ما هي الآلية التي وصلت بها هذه الدكتوراه لمثل هؤلاء الأشخاص .
وهنا يتحتم علي أن أتطرق لقضية أخطرمن قضية منح شهادة الدكتوراه الفخرية للشخص المعني سواء أكان يستحقها أم لا ، ألا وهي اللقب الذي أصبح يرافق مثل هذه الشهادات حاليا وهو لقب الشريف قبل لقب الدكتور ! فأسماء كثيرة في مجتمعنا أصبحت تحمل لقب الشريف الدكتور فلان الفلاني ! ونحن هنا ننبه إلى أمر قد لا تحمد عقباه في المستقبل فمنذ متى صار تصنيف المواطنين في بلدنا بهذه الطريقة ؟ ومن الذي يقرر أن فلانا شريفا وفلانا غير ذلك ولا أريد أن اسمي ما معنى غير ذلك ! أيضا السؤال الذي يطرح نفسه من الذي سمح لهذا الأمر بأن يتطور إلى هذا الحد ؟
ثم أن هناك تساءل يلح علي أيضا عندما ندعو شخص بالشريف الدكتور فلان فهل هذا يعني أن هذا الشخص أصبح من سلالة المصطفى صلى الله عليه وسلم ! أم أن هذا الشخص قام بأعمال في بلده أو مجتمعه أوصلته لمرتبة الأشراف من آل البيت ! ثم إذا كان الأمر هكذا ماذا بالنسبة لإخوة وأقارب وعشيرة هذا الشخص أليسوا بأشراف مثله ! لماذا لا يحظون بلقب الأشراف أيضا ! فهل جاء هو من سلالة غير سلالة قومه !
ذات مرة حاولت أن أتتبع رابطا على الشبكة العنكبوتية لجهة معينة تمنح شهادات الشرف والدكتوراه إن جاز لنا تسميتها هكذا وكان ذلك بهدف معرفة الآلية التي يتم بموجبها منح أو بالأحرى بيع مثل هذه الشهادات والألقاب ، ورغم أنني كنت أعتبر نفسي متمكنا في الإبحار على هذه الشبكة إلا أنني لم افلح بالوصول إلى موقع هذه الجهة أو عنوانها رغم انه كان واضحا على شهاداتها انه في الولايات المتحدة الأميركية ، ولكن لسوء حظي أو لحسنه لا أدري ، كانت محركات البحث كريمة معي ولم تخذلني تماما بل تفضلت علي بعناوين وصور كثيرة لأصحاب مثل هذه الألقاب والشهادات التي حصلوا عليها من هذه الجهة ، فبدأت بتصفح أسمائهم ومن هم ؟ وما هي مكانتهم في المجتمع ؟ لكن المصيبة التي وجدتها في بعض هذه الأسماء كانت كبيرة حيث أن السيرة الذاتية لبعضهم يندى لها الجبين ولا يملكون رصيدا أخلاقيا في المجتمع يؤهلهم للحصول على لقب دكتور فكيف الحال بهم إذا أصبح الواحد منهم يحمل لقب الشريف والدكتور بنفس الوقت ! ولكن الأمر يصبح عاديا عندما نجد أن الجهة التي تمنح هذه الألقاب موجودة في الولايات المتحدة الأميركية !
أنا أرى أن هذا الأمر بات يستدعي تدخل الجهات المسؤولة لتقوم بمتابعة وملاحقة هذه الجهات لوقف هذه المهزلة التي تصنف المواطنين إلى شرفاء وغير شرفاء ، أو أشراف وغير أشراف سموها ما شئتم ، فمجتمعنا بسيط ولا يتحمل وجود هذا الكم من الأشراف والدكاترة ، وأنا أخشى أن يصبح الوطن كله أشرافا ودكاترة حينها لن نجد شعبا طيبا في هذا الوطن .