كاميرات المراقبة في المسجد الأقصى والوصاية الأردنية
هوا الأردن - محمد حطيني
مما لا شك فيه أن تركيب كاميرات المراقبة في المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، بما فيها المسجد الأقصى المبارك في الأيام القادمة يأتي تتويجا لما بذلته الحكومة الأردنية وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين من جهود ومشاورات متواصلة لتحقيق تلك الغاية المنشودة عقب المماطلة والمماحكة الإسرائيلية لعدة شهور تلت التوصل إلى اتفاق بشأنها بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل بتاريخ 24 أكتوبر 2015 برعاية امريكية، باعتبار أن المسجد الأقصى وإعماره وصيانته والإشراف عليه يمثل أولوية سياسية وركيزة دينية كبيرة وأساسية للأردن وقيادته الهاشمية التي ما انفكت تقوم على صيانته وحمايته من محاولات التدنيس والتغيير التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية المحتلة.
وعلى أن ثمة من قلل من أهمية اتفاق تركيب تلك الكاميرات والتحذير منه بادعاء أنه يخدم الأهداف الاسرائيلية فيما يتعلق بإيقاف المشاريع القائمة في المسجد الأقصى وساحاته، والاستمرار في إتاحة الفرصة للمستوطنين وقوات الاحتلال وشرطتها في اقتحامه بالنظر لعدم النص صراحة على ذلك في الاتفاق، وأن تركيب كاميرات المراقبة تلك لا يتعدى كونه إجراء يوثق فحسب للإجراءات والانتهاكات الإسرائيلية في المسجد، ولا يمنعها، هذا بالإضافة إلى ما تركه الاتفاق من احتمال مفتوح لدخول قوات الاحتلال عنوة إلى غرفة التحكم بالكاميرات وما قد ينتج عنه من سرقة أرشيف التصوير ومسح الأدلة التي تدين ممارساتها، مع ما يمثله وجود الكاميرات من مراقبة للمرابطين داخل المسجد والادعاء بالإخلال بالأمن من الجانب الفلسطيني، إلا أننا نرى أن تركيب تلك الكاميرات غني بمعاني ومغازي متعددة إيجابية دلالاتها من حيث اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد كما يقول المثل.
فالاتفاق من جهة، يثبت أولا اعتراف اسرائيل بالوصاية الهاشمية الأردنية على المقدسات الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية في القدس الشريف، بما فيها المسجد الأقصى ، وأن الأردن ثانيا هو الجهة الوحيدة التي يمكنها الإشراف على هذه المقدسات في ظل الأوضاع السائدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحمايتها من أية تغييرات يمكن أن تقدم عليها إسرائيل، ومن جهة أخرى فإن هذه الكاميرات ستمكن الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية في آن واحد من جمع أدلة ومعلومات تشكل عاملا مساعدا قويا في فضح الممارسات الإسرائيلية في المسجد الاقصى في المحافل الدولية باستخدام القنوات الديبلوماسية والقانونية المتاحة، وهو ما عبر عنه السيد محمد المومني وزير الدولة لشئون الإعلام في تصريح رسمي له حول تركيب الكاميرات في المسجد.
ما يستدل من الاتفاق أيضا أنه يبرز الإقرار الدولي الضمني بأن إسرائيل هي عقدة الصراع في المنطقة وأنها الطرف الذي يعمل على تأجيجه بما تقوم به من تجاوزات بحق الفلسطينيين عموما والمقدسيين والمقدسات الإسلامية في القدس خصوصا، ومساندتها للمستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى تحديد والسماح لهم بزيارته والاعتداء على المرابطين فيه، ناهيك عن أنه، أي الاتفاق، يحرمها من لعب دور الضحية الدائم، والمطالبة بإبقاء أي من التغييرات التي أجرتها على الوضع القائم في المسجد الأقصى، وهو ما يعني عدم تقسيم المسجد زمانيا ومكانيا، ومنع دخول المستوطنين إليه بصورة منتظمة.
مما يستقرأ في الاتفاق كذلك أن تركيب الكاميرات في المسجد الأقصى سيكون عاملا مساعدا للأردن والسلطة الفلسطينية في النواحي السياسية والديبلوماسية وربما القانونية إذا ما تطلب الأمر اللجوء إلى المراجع والقوانين والأنظمة والمحاكم الدولية عند حدوث انتهاكات اسرائيلية فيه، في ظل الادعاءات الاسرائيلية وإعلانها بصورة متواصلة عن عدم مسؤوليتها عن الاقتحامات التي حصلت للمسجد في أوقات ومرات سابقة.