100 عام
ما أطوله من زمن على أمة مزقتها خرائط القوى العظمى وهي تقتسم غنائم الثروة على جراح العروبة ودمها المسفوح ، وحلمها في الوحدة والنهضة والكرامة الإنسانية ، وما أصعبه على نفس كل عربي يحلم بالراية الملونة بمعاني المروءة وهو يرى الأحمر مسفوحا بسيوف الجاهلية الأولى ، والأسود علما يرفعه الإرهابيون فوق الخراب ، والأخضر محروقا بنار الحقد والتعصب والكراهية ، والأبيض كفنا يلف الأمل يدفن مع الضحايا الأبرياء في أرض عربية قفر !
بين الأمل والألم تابعت مناسبة للاحتفال بمئوية الثورة العربية الكبرى التي تجيء متزامنة مع وجع الأمة وهي تتعرض من جديد للتقسيم على أسس عرقية وطائفية ومذهبية ، ورأيت شبانا وشابات من أبنائنا يضيفون إلى احتفالهم مبادرة لنشر قيم الاعتدال والوسطية وقبول الآخر ، فأدركت أن الزمن لم يقدر على طي راية الثورة العربية الكبرى ، وكأنها وثيقة دم الأحرار الذين جاهدوا في سبيل وحدة الأمة وحريتها واستقلالها ، وشهادة الأرض التي تحيل ليل الطامعين ظلاما ، وتجرى فيها الأنهار لتأتي مواسم خيرها على موعد مع فصولها ، وعلى قدر نيات أمة بيض صنائعها .
كان نسيم دافئ يحرك الراية على سارية التف الجميع حولها ، وكانت الأعناق مشرئبة تنظر إلى الراية التي ما تزال مرفوعة ، فشاع إحساس غير متوقع في النفوس بأن العروبة أعمق من أن تمحى ، وأن الأردن يدرك الفرق بين ذكرى الحوادث وامتداد التاريخ فيرفع الراية من جديد ليس من أجل الاحتفال بالذكرى ، وإنما للتذكير بأن مشروع التقسيم الجديد ليس قدرا محتوما ، وأن الأمة حين تستعيد قيمها ومبادئها تستعيد كرامتها وحقوقها المسلوبة والمنهوبة ، مهما بلغت التحديات والتضحيات .
مئة عام حل بالأمة من الكوارث والمصائب ما لم يحل بأمم أخرى ، ولكن هل نسينا العروبة ، أو توقفنا عن الحلم بمشروعنا النهضوي رغم ذلك كله ؟ الجواب لا ، قولا واحدا ، فتلك ليست عبثية أو مجرد مصادفة لا معنى لها ، إنه موعد أجزم أنه يأتي على ايقاع النسيم الدافئ الذي حرك على مهل رايات الثورة العربية الكبرى في كل مكان على أرض أردن الصمود والرباط ، وإن غدا لناظره قريب !