التشريعية والتنفيذية في الميزان
خرج الخلاف بين رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى العلن بعد مرور مدة ليست بالقصيرة من التكتم ومحاولة عدم كشف تفاصيل الخلاف وماهيته والتظاهر بوجود علاقة صحية بينهما. لكن لا بد للحقائق أن تتكشف وكما يقول مثلنا الشعبي: "الكذب حباله قصيرة" أي أن حقيقة الأمور ما تلبث أن تنفضح وتنجلي. ومن يكذب لديه الإستعداد أن يرتكب الأخطاء والخطايا معتمدا على كذبه لينجيه لأنه مجرد من الإيمان والضمير والمشاعر الإنسانية. فيصبح هدفه تحقيق ما ينفعه.
وتلك حالة تتكرر في دولتنا وخصوصا بعهد الحكومة الحالية وما يسمى مجلس النواب. والعلاقة الصحية المعدومة بين التنفيذية والتشريعية يفترض أن تكون علاقة تكاملية منسجمة ومتناغمة كون الحكومات تشكل لخدمة الصالح العام وتردفها التشريعية بتصحيح الخطأ ورد ما يؤذي المواطن. لكن لسوء طالعنا وعدم وجود نزعة المناكفة وتربيتنا وثقافتنا الإسلامية والعربية التي تحترم الكبير بالإضافة لقناعتنا بوسطية واعتدال النظام وعدم وجود ميول دموية وعدم سلوك النهج الإستبدادي والتركيبة الديموغرافية التي يتفرد بها الأردن جعلنا من الصابرين الذين يحتسبون أمرهم عند الله، لكن لا أظن أننا نستطيع الإرتقاء بالصبر لدرجة النبي أيوب عليه السلام.
هناك تلاعب وتجاوز ومخالفة للدستور من قبل السلطتين والضحية المواطن صاحب الحق والمغلوب على أمره جراء جريهم خلف مصالحهم الشخصية ومنها ما يتعلق بانتخابات مستقبلية أو تنفيع للأقارب والمحاسيب والأصدقاء.
الخلاف الحالي القائم بين النسور والطراونة قائم على خلفية التعيينات التي قام بها الأخير لخدمة منتسبي كتلته. وقد جاء ذلك خارج ديوان الخدمة المدنية الذي أسس لتنظيم التعيينات العليا والدنيا حسب الكفاءة والأقدمية. ويأتي التعيين من قبل رئيس المجلس الذي يفترض أنه يعمل على إحقاق الحق وتصحيح المعوج إذ لدى حكومتنا الكثير من الظلم والإعوجاج. ويفترض أنه من يحاسب الحكومة عندما تصنع مثل ذلك. لكن السكوت كان ثمنه السكوت أيضا. وكأنها اتفاقية قائمة على "عين ما تريد مقابل تمرير القرارات". هل من تفسير آخر لهذه الحال القائمة على مبدأ "حُكْلي تحُكْلك"؟؟
أين احترام وتطبيق الدستور الأردني الناظم لكل صغيرة وكبيرة؟؟ نحن أمام مخالفة صريحة للدستور قام بها رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء دون استحياء وكلاهما هضم حقا لمستحقين وأعطى حقا لغير صاحبه. فهل أبقيتم على شيء من احترام الناس لكما؟؟ لقد سبق لرئيس الحكومة ورئيس لجنة تحقيق النزاهة الغائبة المغيبة أن قام بتعيين العديد من أنسبائه وأصدقائه وذويه خارج ديوان الخدمة المدنية.
نتوقع من رأس الهرم رئيس السلطات الثلاث جلالة الملك عبد الله محاسبة من يعبثون بالدستور ليخدموا أنفسهم ومحاسيبهم من خلال مواقعهم التي ائتمنوا عليها وأقسموا على خدمة المواطن والوطن وليس إدارة شؤون الناس بطريقة القطيع، أليس هذا هو الواقع الذي نراه ونقرأه ونشاهده؟؟
كيف ستستقيم الأمور وكيف سيتحقق الإصلاح وكيف سيحارب الفساد إذا لم يحاسب هؤلاء وأمثالهما؟؟ الخلل موجود وواضح وضوح الشمس. الرئيسان ارتكبا خطايا وسكتا عنها ليمرر كل منهما ما يريد، لكن الله كشفهما ليتناحارا ويخرج تناحرهما للعلن ليعلم الناس أن السلطتين برئيسيهما تتلاعبان بحقوقهم ولقمة عيشهم.
حكومة أرضت النواب والنواب راضون عنها وبينهما المواطن المعصور وكأنه بين فكي مكبس كلاهما يعمل على إخراج ما يمكن أن يكون مخزونا. فالحكومة متغولة والمجلس مضمون بالتصويت لصالح ما تقرره الحكومة. فمن أين تأتي العدالة والمساواة؟؟
حقيقة الأمر أن المجلس برئيسه الطراونة غض الطرف عن تعيينات النسور لتكون له ذريعة يستند عليها عندما يريد تعيين أو تسهيل أو موافقة أو حتى ارتكاب مخالفة. إذن كلاهما ارتكب مخالفات دستورية تحكمها المصالح وإطالة العمر في المواقع.
فكيف سينصلح حالنا يا أولي الأمر؟؟!! ومتى ستنطلق الثورة البيضاء لتمحو قاذوراتنا التي تراكمت وعفنت حتى زكمنا عفن للأسف تجذر بنفوس الضعفاء والنفعيين الذين لا يخافون الله بالوطن حتى أوصلونا للدرك الأسفل وما زلنا نغط بنوم عميق؟؟!! المواطن تداس حقوقه يوميا من وارثي المناصب. بالواسطة تحصل على حق ليس لك والآخرون عليهم الإنتظار، وما هي إلا سياسة السادة والعبيد وهي سياسة ليست خافية على أبسط الناس إذ الأخوة وأبناء العمومة يتقلدون المناصب العليا ويتوارثوها. كما وكان في الماضي القريب عائلات معينة تتوارث الوزارات والمواقع العسكرية والمدنية دون غيرها.
حال كهذا كفيل بخلق الإمتعاض والتذمر والغضب والتثوير وتلك أمور تطبخ على نار هادئة. فحري بكم يا من تصادقون وتقررون أن تعيدوا النظر بالنهج حتى لا تنفلت الأقفال وتنفتح الجراح وتصيح الناس ألما عندها ليس من السهل ضبط الناس والسيطرة عليهم.
ترى والوضع كذلك هل هناك أمل بالإصلاح الذي يترقبه البشر والشجر والحجر والذي يحقق العدالة ويحاسب المخطئ لتسود المساواة ويقتل التوريث مشيا مع الحكمة القائلة "العدل أساس الحكم"؟؟
الحكومة شاخت غير آبهة بالمواطن والنواب غالبيتهم حكوميون أكثر من الحكومة. وقد تغولت على الشعب من خلال ضعف وتنفيع المجلس مع تقديرنا واحترامنا للنواب الذين لم يخونوا ناخبيهم بل ضمائرهم وإيمانهم بالوطن والمواطن صاحية تذكرهم على الدوام بالصواب وهم قلة في المجلس الحالي الذي ساهم كثيرا بتغول الحكومة وهي تكرس نهج الجباية والسطو على جيب المواطن.
للمعنيين من مراقبين ومخابرات وكتاب التقارير ومقدمي الإيجازات للملك وكل غيور على الأردن والنظام نسألهم: هل تبينوا خطورة ما يجري وتنقلوا الواقع بحلوه ومره؟؟ ثقتنا بكم عالية وقناعتنا بقدرتكم وأدائكم ومهنيتكم تجعلنا نرفع الرأس عاليا، لكنا نلح عليكم بالسؤال لضيق أصابنا وأخطاء آذتنا وسياسات آلمتنا. هل هناك من يحجب الحقيقة عن جلالته؟؟ لكن أستحلفكم بالله أليس ما يجري كفيل بالتثوير والخروج إلى الشارع؟؟
رئيس لجنة تحقيق النزاهة الملكية هو نفسه من يدير شؤوننا بطرق غير نزيهة ويخالف قصد القائد بمنتهى الوضوح والعلانية. رئيس مجلس النواب الذي يفترض أن يصطف بصف المواطن هو أيضا يخالف الدستور ويسكت عن خطايا الحكومة، أليس كذلك؟؟ أليس هذا هو الحال؟؟ فمتى نصدق النية بالإصلاح؟؟
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com