مخالفات السير.. وقاية وحماية أم جباية؟!
قادتني ظروف ترخيص سيارتي إلى محكمة أمانة عمان الكبرى، وإدارة السير المركزية الواقعة في منطقة عين غزال/ شارع الجيش الواقع على أوتستراد عمان الزرقاء.
كل هذا الأمر طبيعي، ولكن غير الطبيعي هو اكتظاظ المنطقة تلك بالسيارات بحكم مراجعة المواطنين لهاتين الدائرتين وعدم وجود مواقف مخصصة لوقوف السيارات، والأنكى من كل ذلك هو انتشار مراقبي السير بشكل كبير على طول الشارع لمخالفة السيارات المتوقفة.
الحفاظ على القانون واجب، وتأمين انسياب السير على أوتستراد كبير أمر إيجابي ومحمود، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الصدد هو أين يمكن للمواطن أن يوقف سيارته بأمان من دون أن يحصل على مخالفة من مراقب السير؟!
اضطررت في رحلة بحثي عن موقف آمن لسيارتي للدوران مرتين حول المنطقة من دون جدوى، وفي نهاية الأمر توقفت أمام مراقب السير ليس لمعاتبته على القيام بواجبه، ولكن للاستفسار منه عن سؤال قفز إلى ذهني أثناء رحلة بحثي عن مكان آمن للوقوف. قلت له: هل يمكن أن أتوقف هنا؟ أجاب بالقطع: لا. قلت: أين يمكن أن أوقف السيارة بأمان من دون مخالفة؟ قال: لا أعرف. قلت: هل يوجد مواقف سيارات في المنطقة ولو بالأجرة يمكنني أن أتوقف فيها؟ فقال: لا! قلت: شكرا. وتابعت طريقي في رحلة دوران ثالثة عن مكان آمن للوقوف.
بعد رحلة دوران مكثفة وجدت في شارع فرعي التفافي خلف دائرتي السير ومحكمة أمانة عمان مكانا يبدو أن مواطنا آخر قد غادره بسيارته للتو، قطعت من مكان توقفي وحتى محكمة الأمانة ما يقرب من ربع ساعة ويزيد سيرا على الأقدام، وقبل أن يحاججني أحدهم بالقول إن المشي مفيد وصحي، فإنني أرد بالقول إن المشي صحي ومفيد عندما يكون في منطقة المدينة الرياضية وليس في شارع الجيش أو الشوارع الموازية له، وهذه الفائدة من المشي تنتفي إن كنت ذاهبا لإنجاز معاملة على عجل، كما تنتفي إن كنت مجبرا عليها في حر الشمس وتصبب العرق.
أجزم أن المسؤولين في دائرة السير وأمانة عمان الكبرى يعرفون المنطقة التي أتحدث عنها جيدا، وأجزم أنه قد صدف لبعضهم المرور من هناك وشاهدوا بأم أعينهم حجم الأزمة في تلك البقعة، فالأزمة وحجمها ظاهران بوضوح الشمس، وتبعا لذلك فإنني أتساءل عن سبب عدم وجود مواقف للسيارات في تلك المنطقة، وسبب منع شرطة السير للمواطنين من الاصطفاف في الشارع، وسبب انتظار المواطن ليركن سيارته ويذهب ومن ثم تحرير مخالفة له توضع على زجاج سيارته، فهذا ما شاهدته بأم العين أمام محكمة عمان، فقد تعمدت أن أصرف من وقتي ربع ساعة وأتابع ما يجري عن كثب، فانتابني شعور وكأن الموضوع تصيد للمواطن، وخاصة عندما شاهدت انتظار المواطن ركن سيارته، والوقوع في المحظور، ومن ثم مخالفته.
أعتقد أنه قبل تحرير المخالفات ومنع الاصطفاف على شارع نافذ، فإنه كان الأجدر بأمانة عمان الكبرى التي تذهب عوائد مخالفات السير لخزينتها، إيجاد مواقف سيارات ولو بأثمان زهيدة، وحل مشكلة الازدحام وإنهاء تعب المواطنين من البحث عن مواقف آمنة لسياراتهم.
القصة ليست مخالفة وكفى، وقانون السير لم يأتِ للجباية في الأساس، ولم يكن هدفه يوما إفراغ جيوب المواطنين، وإنما جاء للوقاية والحماية، ولذا فإن الأصل قبل تحرير المخالفة تأمين مكان الاصطفاف، ومن ثم مخالفة كل من يخرج عن ذلك، أما أن نضع مؤسسات حيوية في شوارع نافذة ومزدحمة أصلا من دون وجود مواقف سيارات، وإيقاف شرطي سير أمام تلك الدوائر لتحرير مخالفات للمواطنين فإن في ذلك قول، وعلامات سؤال واستفهام عن قانون السير برمته، وإن كانت غايته جباية.. أم وقاية وحماية؟!