هل سيتصدر مزدوجو الجنسية المشهد مستقبلا
عندما يتم تعديل مادة أو أكثر في الدستور في أي دولة تكون الغاية تحقيق مصلحة هامة جدا للوطن والمواطن أو لتذليل عقبة دستورية تمنع أو تحد أو تعرقل روافد المسيرة الوطنية من أن تنساب لتصب في مصبها الحقيقي. لذا تطرأ احتياجات وطنية تستوجب من صناع القرار والمعنيين إعادة النظر ومراجعة المواد التي بتعديلها يتحقق تيسيرا لاتخاذ القرار الذي بدوره يخدم الوطن والمواطن وليس لزيادة صلاحيات أو إنقاصها لتخدم موقع ما أو لتحرم موقعا آخر.
فالمعيار والأساس الذي يقوم عليه التعديل يجب أن يتحرى من خلاله المعدلون مدى مواءمته مع الصالح العام وليس لإخراج أشخاص من عنق الزجاجة. وعكس ذلك يُتاح المجال لتغول جهة على أخرى مما يخلق عدم توازن وتناحر يمكن أن يؤدي لعدم الرضا مع الزمن وينعكس على الأداء العام الذي بدوره يضر ويسلب حقوق الوطن والمواطن ببطئ لا يلحظه إلا المهتم والمتابع والمتخصص. ومن هنا تأتي قدسية الدستور في أي دولة ملكية كانت أو جمهورية ديموقراطية أو فردية. في الأصل يُحترم الدستور كحاضن للقوانين ومنظم للحياة والعلاقة بين المواطن والحكم ولا يُمس إلا للضرورة القصوى التي تضيف تحسينا نوعيا ولا تجحف بالحقوق سواء حقوق الحاكم أو المواطن.
الدستور ليس كتابا منزلا، بل من صنع ووضع بشر ارتأوا في زمن وضعه ما يحقق مصالح طرفي المعادلة حسب المعطيات والظروف القائمة آنئذ. لكن عند بروز أسباب وجيهة ومقنعة للتعديل يرى المعنيون من خلالها تحقيق خدمة أو إحقاق حق للمواطن والوطن بالمقام الأول وتعزز من مستوى ضبطه لإيقاع المسيرة الوطنية حكما وولاية ونيابة، تصبح الحاجة للتعديل ضرورة لا مناص منها ويرحب بها الجميع.
إن مشروع التعديلات الدستورية الذي أثار به دولة النسور جدلا بين النواب والقانونيين والمثقفين متعلق بالصلاحيات وازدواجية الجنسية. من المعلوم لدى الجميع أن جلالة الملك هو من يعين مدير المخابرات ورئيس الأركان والعديد من المسؤولين الكبار بعد أن يفاضل بين الأسماء التي ترشح من قبل الحكومة أو الديوان الملكي أو المخابرات بحكم معرفتها بملفات وسير وتاريخ ومدى ملاءمتها للمزاج الملكي حسب المرحلة. والعديد من هذه التعيينات يأتي على أساس عرفي اعتيادي قائم على الإحترام والتقدير لشخص الملك ورؤيته بوازع الثقة وتحري حسن الإختيار.
الجانب الهام في الأمر أن التعيينات عموما تأتي على عكس التوقع العام والتمني الشعبي وذلك يعود لتاريخ ومسير وخلفيات وتوجهات هؤلاء حيث تدوير الأسماء وتوريث المناصب العليا والتركيز على أُسر بعينها وكأن الإخلاص والولاء والإنتماء لا يتوفر عند غيرهم من المواطنين. وهذا ولد غبنا وضجرا من النهج الثابت بهذا الشأن. وهذه مثلبة جديرة بالقوننة والدسترة للحد من التغول لإعطاء الفرص للجميع على مبدأ التنافس والكفاءة والإستقامة والنزاهة وهي خصائص للأسف لا تراعى بالتعيين.
حتى لا تبقى نفس الوجوه ومن نفس السلالات تتكرر ويعاد إنتاجها وقد ثبت عدم جدواها، لا بل ثبت كم هي أضرت بالوطن ودفعت به للخلف، كان حري بدولة رئيس لجنة النزاهة الملكية الإنتباه لهذا الأمر لتصويبه وبذلك يكون قدم إصلاحا بطوليا عظيما يسجله التاريخ الأردني بدل أن يكون سجله إدانات وكوارث. لكن لسوء طالعنا فهو لا يهتم بمصلحة المواطنين بقدر اهتمامه بأشخاص يهمه أمرهم والدلائل أزكمت أنوفنا.
وهذه السياسة المتمسكة بهذا النمط الظالم قسمت الشعب لقسمين قسم حاكم متحكم لا يطاله التغيير إلا قليلا جدا وقسم خادم لا نصيب له من أن يرتقي ليس حبا بالإرتقاء بقدر ما هو رغبة وطنية تدفع به للخدمة والتصحيح والتعديل بعيدا عن القفز القائم على التصفيق والتملق. ذلك أمر يستوجب سبر أغواره وتنظيمه وتعديله من الجذور حتى يصطلح حالنا ونحن ننادي بالديموقراطية. كيف للديموقراطية أن تمارس والحال كذلك؟؟ ستبقى شعارا اجوفا طالما المساواة غير محققة والعدالة مختلة. وهذا خلق احتقانا وسخطا شكلا جاهزية لدى الناس للإنفجار والإنفلات. لقد وجب الإقتراب من الواقع وتصحيح تلك المثالب حتى نحافظ على صفونا ونخطو للأمام.
لنعود لمشروع التعديلات الدستورية التي ما زالت تحت الدرس والبحث. لا أظن أن أحدا يخالف او يعارض زيادة صلاحيات الملك ما دامت تعمل على تحسين وتطوير المشهد العام. والمعارضة الإيجابية تتعدى الشخصنة والأنانية صونا لهيبة الملك وعدم المساس بالثوابت والمعايير الديموقراطية التي نطمح لتحقيقها والتي في الواقع ما زالت طفلا يحبو.
أما ازدواجية الجنسية لأصحاب المواقع العليا والسيادية فدستورنا الحالي يحرمها رغم وجود بعض التجاوزات المسكوت عنها. فرئيس وزرائنا يحمل الجنسية الكندية حسب تأكيدات سعادة النائب هند الفايز، ولم نسمع نفيا من دولته أو إثباتا يدحض به زعم الفايز، بل طلب تعديل الدستور ليسمح بالإزدواجية كونه اقترب من عضوية مجلس الأعيان ليضمن عدم الإعتراض. وهنا نستذكر طلال أبو غزالة عندما استقال من الأعيان لازدواجية جنسيته.
يبدو لي أن تعديلا كهذا إن تمت الموافقة عليه يمهد الطريق لجيل الدجيتاليين وحليقي الرؤوس حاملي الجنسيات الأجنبية لتسلم المواقع العليا في الدولة وهم كثر وللأسف. وقد رأينا من خلال التجربة حظوتهم لدى مطبخ القرار. شخصيا أُثني وأدعم ما جاء على لسان النائب المحامي المخضرم عبد الكريم الدغمي باعتراضه على التعديل من منطلق المساءلة والمحاسبة بحال استدعى الأمر مساءلة أو محاسبة أحد أو بعض مزدوجي الجنسية.
نحن لا تنقصنا التجربة مع غياب المساءلة إذ نعاني من غيابها منذ زمن طويل. فهل نعمل على تكريس الغياب أم نزيل العقبات التي تعرقل وتمنع المحاسبة والمساءلة للفاسدين والمخطئين؟؟ وسيبقى هؤلاء منقسمين بولائهم بين وطنين يروا بأحدهم طاردا والآخر حاضنا وملجأ أمينا يحتمي به عند انكشاف فساده. فما المكسب لدسترة السماح بالإزدواجية؟؟
ما يثير القلق والإشمئزاز موقف بعض المصفقين من كتاب ونواب ومثقفين من الطامحين للتقرب من مطبخ القرار على حساب الوطن وكذلك اللاهثون خلف الشهرة وزيادة أسهمهم لدى الحكومة التي نفّعتهم ويطمعون بالمزيد ونعلم يقينا أن لا حضور للأردن بأجنداتهم وليس لهم غاية سوى الصعود على الوطن.
نأمل من "قانونية النواب" أن تتحرى الحق ومصلحة الوطن والمواطن ومستقبله عند إبداء رأيها بهذه التعديلات وخصوصا مسألة ازدواجية الجنسية وأن لا يجاملوا بالحق ومصلحة الأردن. وندعوهم للتجرد من كافة المؤثرات والإغراءات التي يمكن أن تدفع بهم للإصطفاف بصف القلة القليلة التي لم نرى منها خيرا. وهم الآن بمثابة قضاة عليهم تحقيق العدل دون مواربة لأن الوطن باق والناس تموت وتتبدل ولأن الوطن أغلى وأثمن من البشر. وندعو الله أن يوفقهم للحق ويلهمهم الصواب حتى لا نندم يوم لا ينفع الندم.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com