معركة الحدود.. المواجهة طويلة
وجبة دسمة من المعلومات قدمها قائد حرس الحدود العميد صابر المهايرة، لوفد صحفي أردني جال على المناطق الحدودية مع سورية، ونقلها الزميل موفق كمال من "الغد" تباعا للقراء على الموقع الإلكتروني للصحيفة.
حتى أشهر قريبة، كانت التهديدات الأمنية على الحدود مع سورية والعراق تراوح مكانها. لكن سلسلة من المتغيرات قلبت التوقعات؛ انهيار وقف إطلاق النار في جنوب سورية بعد التدخل الروسي، وحضور تنظيم "داعش" الإرهابي بشكل واضح في ريف درعا، واحتشاد عشرات الآلاف من النازحين قرب الساتر الترابي مع الأردن. ووفق تصريحات العميد المهايرة، قارب عدد هؤلاء 60 ألف نازح، يرغبون جميعهم في الدخول إلى الأردن.
ويفهم من تصريحات قائد حرس الحدود أنه وبالتزامن من تمدد "داعش" جنوبا، رفع التنظيم من سقف طموحاته باستهداف الأردن. وثمة تفاصيل مثيرة هنا كشف عنها العميد المهايرة، أبرزها استخدام التنظيم لطائرات تجسس لرصد أهداف أردنية، واللجوء إلى الحمام الزاجل لنقل رسائل لعناصر تابعة له في الأردن.
محاولات تهريب المخدرات والأسلحة وتسلل الأشخاص، مستمرة وبوتيرة عالية. يوميا، تحبط قوات حرس الحدود عمليات تهريب مخدرات وأسلحة، وتضبط مجموعات تحاول التسلل إلى سورية. وقد أعطى المهايرة أرقاما وإحصاءات دقيقة، تعطي الدليل على حجم الأخطار الماثلة حاليا. والجديد في هذا الأمر، الكشف عن أنفاق للتهريب، بعد أن أصبح تخطي الحدود أمرا صعبا بفضل يقظة جنود حرس الحدود، وتوفر الإمكانات التقنية والعسكرية اللازمة لتحصين الحدود ومراقبتها على مدار الساعة.
أكثر من استنتاج يمكن أن نخلص إليه من حديث قائد حرس الحدود.
الأول، أن مستوى التهديد على الحدود الأردنية مع سورية مرتفع بشكل كبير، ويفوق بدرجات مثيله على الحدود مع العراق. ويتوزع هذا التهديد على ثلاثة مستويات: خطر الجماعات الإرهابية؛ وتهريب المخدرات والأسلحة؛ وتدفق المزيد من اللاجئين.
وبشأن التهديد الثالث، يبدو من المعلومات المحدثة، أننا أمام تحد معقد للغاية؛ فتجمع 60 ألف إنسان بمحاذاة الأراضي الأردنية، يضع المملكة تحت ضغط دولي، في وقت لم تعد فيه قادرة على استيعاب موجات جديدة من اللاجئين.
الاستنتاج الثاني، أن القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية المعنية، ورغم مرور أكثر من خمس سنوات على الأزمة، ما تزال قادرة على إدارة التحدي وضبط الحدود بكفاءة عالية، وهي تملك في الوقت ذاته الخطط البديلة للتعامل مع أي متغيرات طارئة، واستباق الأحداث بتوقعات دقيقة.
أما الاستنتاج الثالث، فهو أن هذه التحديات ليست في طريقها للتراجع، إنما العكس تماما؛ فالتطورات في سورية لا تنبئ بقرب التوصل لتسوية سياسية، وانهيار الهدنة في أكثر من منطقة يرجّح خيار المواجهة من جديد. وعليه، يتعين على مؤسسات الدولة والقوى الاجتماعية التكيف مع الوضع القائم، وإظهار الاستعداد الدائم لتقديم كل ما يلزم لدعم الجنود البواسل على حدودنا، في مواجهاتهم المستمرة مع الإرهابيين وتجار الحروب، ومحاولات "تسييل" حدود المملكة وفتحها على مصراعيها.
كان مفيدا بحق توفير كل هذه المعلومات للرأي العام، ليعلم الجمهور العريض من الأردنيين حجم التحديات التي تواجه بلادنا، وعظم المسؤولية التي يتحملها الجيش والأجهزة الأمنية للمحافظة على الاستقرار وسط غابة من الوحوش.