سيدتي.. أنت لا شيء !!
سيدتي.. أن تكوني محامية بارعة، أو مهندسة مبدعة، أو أكاديمية مرموقة، أو عالمة في الذرة.. فكل هذا لا يشفع لك في أن تكوني ذاتك المبدعة نفسها، أو أن تكون نجاحاتك أصيلة، إذ لا بد من "تذكرة" مرور لك، أو "وسيط" يجعل نجاحك شرعيا، ويجعلك على ما أنت عليه، لتكوني، في النهاية، ذاتك.
هذا الوسيط، ببساطة، هو الرجل، أو بمعنى أكثر دقة، الذكر الذي يتمحور الكون كله حوله، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا.. أو حتى ابن عم أو ابن جار.
هذا ما يحاول كل شيء حولنا إفهامنا إياه، وبكلمات بسيطة وواضحة، هو أن المرأة، ومهما بلغت من العلم أو حققت من نجاح، فإنها سوف تظل ناقصة ما لم تتعربش برجل يقدمها إلى العالم، وبالتالي إلى الإنسانية، لتنتسب إليها.
الجميع يمارس هذا التمييز والتهميش والإقصاء بحق المرأة.. بدءا من البيت الذي تسكنه، مرورا بالشارع والحي الذي تقطنه، والمدرسة والجامعة التي تتلقى فيهما العلم، وليس انتهاء بالإعلام ووسائله التي تسير وفق مقولات عفا عليها الزمن من أجل توكيد أن المرأة لا وجود فعليا لها في جوهرها، بل يتحقق وجودها في وجود الداعم فقط، وهذا الداعم هو الذي ينبغي له أن يحصد الإعجاب كله، أو جلّه، كلما قفزت امرأة من سرب السبايا، وأعشت عيون العالم بنجاحها غير المشكوك فيه.
هذا المفهوم لا يتأسس على ثقافة الجندر فقط، بل يتعداه ليصبح كل من الرجل والمرأة مخلوقين لا يشتركان بالصفات الإنسانية نفسها، ويعظّم من مقولات الغلاة بعجز المرأة عن إدراك كينونتها بنفسها، أو تحقيق ذاتها بواسطة ملكاتها وحدها، غير أن ما يحدث في الحقيقة، هو ابتكار "وظيفة" جديدة لـ"الذكر"، وهي الرعاية، بحسب التقليد الذي ابتكرته الأنظمة الشمولية، ودرجت عليه دول العالم المتأخر، وذلك من أجل مدّ ظلها فوق كل شيء في مناحي الحياة بـ"الرعاية"، وخلق صلة بينها وبين النجاحات في عوالم الأدب والفنون والرياضة والصحة والإعمار.. وحتى الحب.
مناسبة هذا الكلام، هو خبر مطول نشر في وسائل إعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، يفترض أن يكون احتفاء بعالمة أردنية تحوز أول شهادة من نوعها في الأردن، وتصبح أول أستاذة في الهندسة النووية، وتبشر بإنجاز الكثير لوطنها وللأردنيين، ولكن، ومن الوهلة الأولى عند قراءة عنوان الخبر، ترى أن الاحتفاء لم يكن بها، وإنما بزوجها، الذي أنا على ثقة بأنه لا يودّ لنفسه أن يظهر بهذه الصورة التي أجبرته عليها وسيلة الإعلام تلك، ولا يريد أن يصادر حق زوجته العالمة في النجاح الذي حققته بكدّ وسهر ومثابرة، خصوصا أنه درس معها التخصص نفسه، ويعرف معنى أن يكون لدى الإنسان حلم بهذا الحجم ليحققه.
عنوان المادة يقول بتعميم وتأكيد غريب: "لا نجاح بدون زوج داعم"!، لتكتفي وسيلة الإعلام به، مختصرة، بوجود الزوج، نجاحات العالمة الأردنية، وغيرها الآلاف من الأردنيات اللواتي سطرن قصصهن لتروى لأجيال قادمة، وقد تناست الجهد والكدّ والمثابرة، كعوامل رئيسية لأي نجاح.
أكبر مفاجأة تواجه القارئ، هي أن هذه الجملة بالذات ليست موجودة في المادة، والموجود هو شكر عادي تزجيه لأهلها ولزوجها لوقوفهم إلى جانبها خلال سنوات دراستها.
لكن ذلك لا يتوجب أن يشكّل مفاجأة لأحد، فالثقافة الذكورية متأصلة في وجداننا، وتفرض علينا مفرداتها كلها، حتى لو كانت كاتبة المادة الصحفية هي امرأة.