ولكنـــّـــكم غُثاءً كَغُثـْــاءِ السَّــــيل
هوا الأردن - ينال رواشدة
إن أول ما تتداعى به نفوس أبناء جلدتنا اليوم لهو الشغف نحو الوحدة والنهضة , وأن تتسارع جهودنا ومنجزاتنا الحضارية حتّى نلحق بقطار الأمم الذي لطالما سبقنا , وتراك تصغي للعديد من شرائح هذا المجتمع فتجد في أقوالهم روح الحماسة وأعظم الهمم نحو الإنطلاق في سباق قطار الأمم الذي قد طبع على صدر كلٍ منّا حسّاً بالخيبة والتأخر , ونجد الكثير من أفراد مجتمعنا وقد أكون أولهم قد أسهبوا في نقد الواقع وجلد ذات الأمة والإعتراف بقصورها في ميادين المنافسة ,وعند التعمق في التفكير في هذه الأقوال والخطب العصماء التي شرحت الصدر باكتشافك أن مستقبل السنين والسعي نحو الأفضل قد اخذ حيزاً من تفكير البعض , ولكن ليس طويلاً.
لا ريب أن هذه التوجهات أخذت حيزاً ضخماً ومجهوداً في تفكير المهتمين , ولكن هذه التوجهات لم تتجاوز في الواقع الإطار النظري ,فقد اقتصرت على جلد الذات ولعن الأسلاف وكلأٌّ منّا يلقي اللوم على الآخر حتّى يهنأ براحة الضمير , فأجمع الكثر على اختيار الحكومات سبباً في ذاك , فأتساءل :هل يعقل ان تكون الحكومات سبباً في ضياع الملايين وان هذه الملايين بريئة في أدائها وسعيها , أو أن شعوبنا في كامل نشاطها النهضوي ولكنّ الحكومات كانت حمّالة الحطب!؟
كان الفيصل في أُطروحتي السابقة أُطروحة أخرى افترضتها فتساءلت:هل يمكن لإمام جليل مثل ابن باز او ابن عثيمين مثلا لو تسلَّم احدهم السلطة في ولاية تكساس أن يغير سلوك المجتمع بأن يجعلهم مجتمعاً ذا طابع وعاداتٍ وتقاليد إسلاميَة في هذه الحالة التي لا يحملوا فيها أيُّ قابليّة لهداية , وبالمقابل , هل يمكن لكبير الملحدين ريتشارد دوكنز لو تسلّم السلطة في بلد مسلم أن يغيّر معتقدات هذا الشعب لأن تكون إلحادية!؟
إذن , نجد في الحقيقة أن الشعوب تحمل أكبر جزءاً في رسالة الحضارة , فالشعوب والحضارات وبلا أدنى شك تتصارع بمجتمعاتها وبمستوى ثقافات أفرادها قبل أن تحمل الجيوش أسلحتها وحتّى لو حملت هذّا السلاح يبقى وعي الشعوب وثقافتها هي مادة الجيش وذخيرته التي تفنى بفنائه.
ذلك المُنظِّر الجالد لذات أُمته, والباكي واقعَه ,والذي يعزف على وتر العروبة أناشيد المجد والإصلاح ...فليت جلْد أُمته قد وقع سياطاً على ظهره قبل أن يحمله حب العشيرة على نبذ من ليس منها, وقبل أن يحمله شغف الإصلاح أو شغف "البلبلة" ان يتظاهر في عصب العاصمة وأكثرها حساسيّةً , وقبل أن يحمله بعض المغرضون على القناعة بأن حب الحكومات والسير وفق نهجها والانتماء لها (تسحيج) أو جبن.
في النهاية, ومن دون أدنى شك إن الأزمة التي تعاني منها الأمة هي مجرد أزمة وعي وثقة بالذات , فهما وقود الحضارة ورقي الشعوب , وتحصيلهما لا يكون إلا عند شعوب قد امتلكت ما يكفي من القابلية لأن تحمل في جعبتها من الوعي بمصلحة الوطن والثقة بالذات , وتكون يد الله فيها فوق بد الجماعة.