الضجيج !
حسنا فعل رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي أنه نزل إلى أطراف الميدان أكثر من مرة منذ توليه مهام رئيس الوزراء ، وسرني أنه يتكلم بشكل مقتضب ، فهو يدرك على ما يبدو أن الناس قد سئموا كثرة الكلام عن الأزمات التي يواجهها بلدنا ، وخاصة الإجراءات الحكومية لحل الأزمة الاقتصادية ، حتى أنه أضحكني تعليق أحد الصناعيين حين قال ذات مرة " كلما سمعت عن إجراءات حكومية لتصحيح الوضع الاقتصادي يزداد قلقي على مصنعي الصغير " !
نعم من الضروري أن يعرف الناس بأن الحكومة غير قادرة على حل ذلك الحجم من الأزمات وخاصة تلك التي لا نتحكم بها من ناحية ، وتؤثر علينا من ناحية أخرى ، فعلى سبيل المثال تشكل الحروب الدائرة في العراق وسوريا بشكل خاص أحد أهم وأخطر معوقات نهوض اقتصادنا الوطني ، نظرا لما يترتب عليها من أعباء مالية لحماية الحدود ، والتصدي للمنظمات الإرهابية التي تمتلك قوة عسكرية قد توازي قدرة الجيوش الرسمية ، فضلا عن تأثر عمليات الاستيراد والتصدير ، والمشروعات المشتركة ، وغيره الكثير ، فهل تستطيع الحكومة أن تغير في هذا الواقع شيئا ، سوى السعي لمعالجة تلك الآثار السلبية على الاقتصاد الوطني ؟
وماذا عن واقع الاقتصاد العالمي ، الذي تتفاقم كوارثه ، وتتراجع فرص تعافيه من أسواق تغرق في الديون ، وتدهور في العملات ، وتباطؤ في النمو ، وها هي أهم وأكبر المجلات العالمية المتخصصة تضع عناوينها وبالقلم العريض " الاقتصاد العالمي خالي الوفاض من الذخيرة المالية " وتضيف " عاصفة على وشك أن تهب على اقتصاد العالم، هل يستطيع أحد وقف انهيار قادم ؟"
نحن إذن نواجه واقعا محليا وإقليميا وعالميا سيئا ، وأي تحسن يجب أن يمر بصورة أو أخرى عبر تلك الثلاثية ، ولذلك فإن أفضل ما نفعله أمام هذا الوضع أن نعمل كثيرا ونتكلم قليلا ، وعلى الحكومة أن تقترب من الناس في أقوالها وأفعالها ، فإذا ما عجزت عن تحقيق شيء ما ، تقدم لهم الأسباب الموضوعية ، وتطلب منهم المزيد من الصبر ، وإذا أنجزت شيئا تشعرهم به ، وتدعوهم إلى معرفته وانتظار ثماره ، أما أن تتحول أزماتنا الحقيقية إلى ندوات ثقافية ، ووجهات نظر فردية ، وفصاحة ليست في مكانها فذلك مجرد ضجيج صار يستفزنا جميعا !