لكي لا تأخذنا اصوات الحمقى الى الجنون
اشعر بان ثمة “رائحة” كريهة تقف وراء كل هذه الاساءات ضد “الاسلام” ومقدساته ورموزه ، واتمنى الا نسهم في تحويل هؤلاء “المرضى” الى ابطال او “نجوم” اعلامية ، او حتى ضحايا حرية رأي وتعبير، فهم لا يستحقون سوى الاهمال ، كما اتمنى ان نتعامل معهم بحزم لكي لا يجرؤ غيرهم على تكرار افعالهم الشنيعة، و ان نسمع صوتا قويا وشجاعا من كافة الاطراف ، مسلمين ومسيحيين، لادانة هذه الاصوات النشاز واشهار البراءة منها ورفضها باقصى العبارات.
لا يمكن - بالطبع - ان نبرىء هؤلاء الذين اندفعوا الى الاساءة لديننا ومقدساتنا ولا ان نقلل من الأذى الذي اصابوا به مشاعرنا ولكنني اعتقد ان التعامل معهم بمنطق ردود الفعل ومجرد الغضب سوف يغطي على الجانب الاهم من القضية ، واقصد الاسباب والدوافع التي جعلتهم يشهرون عداءهم في هذا الوقت تحديدا ، والجهات التي تقف وراءهم وتحركهم ، والاهداف التي يسعون الى تحقيقها، وهنا افترض ان نتوجه - بحثا وفهما - الى هؤلاء الذين آثروا ان يختفوا وراء الستار والى “الرسائل التي يريدون ان يبعثوا بها الينا ، وهي - بالتأكيد - مسمومة وتتعارض بشكل واضح مع العلاقة الطبيعية التي تربط ابناء الامة الواحدة سواء أكانوا مسلمين سنة ام شيعة ام مسيحيين.
لا اتردد في ادانة كل ما يصدر من اساءات ضد الدين ، اي دين ، وضد المقدسات الدينية لآية ملة او امة ، ولكن اخشى ما اخشاه ان ينجح هؤلاء الذين ان يعبثوا بهذه “الاجندات” في مسعاهم الى دائرة اوسع تغري الطرفين على الدخول الى ميدان المعركة ، وعندها سيدخل الشيعة في حرب مع السنة والمسلمون في مواجهة اخوانهم المسيحيين وهذا اسوأ “سيناريو” يمكن ان نتوقعه اذا لم نتعامل بحكمة وحزم مع هؤلاء “المجانين” الذي يحركهم التعصب والكراهية ، وتقف وراءهم جهات غير بريئة لزرع الفتنة بين اجنحة الامة الواحدة ومذاهبها واديانها السماوية.
ثمة دائرتان - ان شئت اجندتين - يجري العبث بهما الآن على صعيد مجتمعاتنا العربية والاسلامية احداهما دائرة الخلافات التاريخية والمذهبية داخل اطار الملة الواحدة( بين السنة والشيعة) ، والاخرى دائرة “العلاقات” بين المسلمين واخوانهم المسيحيين العرب.
على صعيد الدائرة الاولى ( ابناء الملة الواحدة) لم يشهد تاريخنا الاسلامي -بالطبع - هذه الموجة من الكراهية ولم يعرف “فقه” الشتيمة وبذاءة النقد الا حين تدخلت السياسة وانحطت اخلاقها فأصبح “الدين” مستخدما لديها بدل ان يكون موجها ومرشدا لها ، حدث ذلك بعد “الفتنة” التي اشغلت المسلمين واسالت دماءهم وجرحت ذاكرتهم ايضا ، وكان اول من جاهر بسب الصحابة هم “الكيسانيون” الذين اعتقدوا بتناسخ الارواح او تماسخها ، تلاهم البويهيون الذين كتبوا على ابواب المساجد عبارات سب الصحابة الى ان اتخذت هذه “العادة” القبيحة شكلها الرسمي في عهد الصفويين حيث وضع الشيخ الكركي العاملي المقرّب آنذاك من الشاه الصفوي رسالة اجاز فيها السب ، لكن ذلك -بالطبع - لم يمنع بعض الفقهاء الشيعة والمفكرين من رفض ذلك والتبرؤ منه.. وقد سبق للعلامة محمد حسين فضل الله وقبله علي شريعتي ان أنكرا ذلك وأفتيا بحرمته.
على صعيد الدائرة الثانية( علاقة المسيحي بالمسلم) لا حاجة- بالتأكيد - للدفاع عن الاخوّة التي جمعت المسيحي والمسلم في بلادنا،ولا ارى اي جدوى من الدعوة الى الحوار بينهما الاّ في اطار الثقافة الواحدة والمواطنة،ولدي اكثر من تحفظ على ما يشهر من دعوات للتعايش بينهما،لانه لا يوجد اصلا مشكلة على هذا الصعيد،وقد قلت مرارا انني شخصيا،ارى المسيحي الوطني العروبي الملتزم اقرب اليّ من كثير من المسلمين الذين اختلف معهم في الموقف،وافضل -مثلا-البابا شنودة المعروف بمواقفه العربية والحضارية على كثير من (العلماء) المسلمين الذين استقالوا من وظائفهم الدينية والقومية،وكثيرا ماتعجبني عبارة احد اخواننا المسيحين الكبار في مصر(اظنه مكرم عبيد)”انا مسيحي الدين، مصري الجنسية ومسلم الثقافة”...ولدي مخزون كبير من الاحترام لقامات مسيحية وفكرية وادبية ،من طرفة بن العبد الى امرؤ القيس الى النابغة الذبياني الى ابراهيم اليازجي الشاعر المصري الكبير الى جورج انطونيوس الذي اختار مسكنه بجانب الحاج امين الحسيني، الى امين الريحاني ،الى الاخطل الصغير واحمد فارس شدياق وجول جمال وصولا الى المرحوم ادوارد سعيد .. وغيرهم الكثير الكثير.
باختصار ، ارجوان لا تأخذنا اصوات وصرخات هؤلاء الحمقى الذين يسيؤون الى مقدساتنا لمزيد من العبث والجنون ، يكفي ان نحاسبهم ونقول لهم : انتم لا تمثلون الا انفسكم المجروحة بالعقد والامراض النفسية، اما مجتمعنا بكافة مكوناته من مختلف الاديان فما زال يتمتع بالعافية والسماحة والمحبة ايضا.