ما سيصدم الطفل عمران فعلاً!
الطفل الذي "أبكى العالم من دون أن يبكي"، كما علق أحد الأصدقاء على "فيسبوك"، ليس "حالة نادرة" في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة مليشيات إيران، بحسب ما يؤكد (إن كان ثمة حاجة للتأكيد)، في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية أول من أمس، مصطفى الساروت الذي التقط فيديو عمران عقب إنقاذه، وقد ظهر فيه بلا أي رد فعل اللهم إلا محاولة مسح دمائه، رغم إمضائه وعائلته أكثر من ساعة تحت ركام منزلهما في حي القاطرجي بمدينة حلب، عقب تدميره من قبل طائرات بشار الأسد وروسيا على من فيه.
أيضاً، ووفق ما أشارت تقارير إعلامية، قد يفسر سنّ عمران انعدام رد فعله "ظاهرياً". فهو ابن خمسة أعوام فقط، أي بعمر الحرب التي أعلنها بشار الأسد وإيران وروسيا على الشعب السوري؛ ولتكون جرائم هؤلاء هي "الطبيعي والعادي!" الوحيد في حياة هذا الطفل وكل أبناء جيله السوريين منذ ولادتهم، كما كان الإخفاء والتعذيب والتنكيل والإذلال هو "الطبيعي والعادي!" في حياة السوريين الأكبر سناً.
رغم ذلك، فإن ما قد يصدم عمران فعلاً هو معرفته أن مذيعة على محطة "سي. إن. إن" الأميركية لم تستطع أن تتمالك نفسها وهي تذيع تقريراً عنه، فبقيت تبكي طوال الوقت! إذ كيف تبكي المنتمية إلى معسكر "الإمبريالية!"، فيما عرب "عروبيون جداً" كانوا يحتفلون في الآن ذاته بمأساة عمران وآلاف غيره على امتداد الأرض السورية، ولم يعكر صخب احتفالاتهم إلا نجاته، لكنهم يمنّون النفس بأنها نجاة مؤقتة، لحين تعود روسيا وإيران لإتمام مهمتهما بالقتل والتدمير!
ولربما يُصدم عمران فعلاً أيضاً، فنتمكن أخيراً من رؤية ولو بعضاً من علامات الذهول عليه بين الدماء والغبار اللذين غطيا وجهه، حين يعرف أن سبب السعي إلى قتله هو اكتشاف "المقاومة والممانعة" أنه وآلاف القتلى والمعتقلين السوريين، صغاراً وكباراً، كانوا يقفون في الطريق المؤدية إلى الجولان وفلسطين المحتلين، ويحجبونها. فهو ابن خمسة أعوام، فيما احتلال الجولان تسليماً للإسرائيليين، يعود إلى عهد الأسد الأب، أي لم يكن عمران موجوداً طوال عقود معترضاً الطريق المعروفة منذئذ إلى الأرض السليبة! وحتى ذووه وكل السوريين الذين خبروا جحيم الأسد أباً وابناً، لم يكن ليسمح لهم بالوقوف في طريق أصغر شبيح تاجر مخدرات محسوب على نظام الأسد، فكيف لهم أن يقفوا في وجه قواته المتجهة (تخيلاً) لتحرير الجولان وكل فلسطين؟!
بعد كل ذلك قد يُصدم عمران حد الضحك الهستيري (وغالباً سيكون ضحكاً لأول مرة في حياته)، حين يعرف أن العرب مدعي العروبة واليسار والعلمانية المدافعين عن نظام ملالي طهران "العلماني"، ونظام روسيا "العروبي"، هم كما يصرون "شبيحة ديمقراطيون"، إذ يؤكدون أنه ما إن ينتهي الأسد من قتل أطفال سورية وشبابها ونسائها ورجالها، حتى يُطلق مسيرة التعددية والديمقراطية ويحارب فساد أقاربه الأقرب الذين تظهر أسماؤهم في كل فضيحة بنكية عالمية.
أما صدمة عمران الكبرى، فهي من صدمتنا مما يسمى "ظهور داعش". فالتنظيم مدعي "الإسلامية" لم يقم إلا باستعارة ممارسات مدعي "عروبة وعلمانية" طوال عقود مضت؛ وبدلاً من تبرير جرائمه بمزاعم "المقاومة والممانعة" كما فعل دواعش العلمانية والقومية ويفعلون إلى الآن، فإن "داعش" الجديد يبررها بمزاعم دينية فحسب.