جيوب الحقيبة
للحقيبة الاقتصادية جيوب عديدة تحتوى ملفات الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة والتعليم والصحة والخدمات المساندة من نقل وطاقة وبنوك وشركات تأمين وغيرها ، وعندما يتوجب علينا فتح هذه الحقيبة لكي نخرج كل ما فيها من ملفات لوضعها على الطاولة ، لا بد أن ندرك أن تلك الجيوب ليست معزولة عن بعضها البعض ، وإنما هي مرتبة بشكل يسمح لنا تناولها من موقعها لنعيد ترتيبها حسب الأهمية التكاملية بين عناصر الاقتصاد التي أشرت إلى معظمها .
في التشكيل الحكومي توزع هذه المكونات على عدة حقائب ، فللزراعة وزارتها ، وللصناعة والتجارة وزارتها ، وللسياحة وزارتها ، وهكذا تعمل كل وزارة وفق استراتيجياتها أو خططها الخاصة بها على اعتبار أن الحصيلة النهائية تصب في الاقتصاد الوطني ، وقد يكون ذلك عاديا وطبيعيا في دول استقر اقتصادها على هوية واضحة المعالم وفق إستراتيجية عامة للدولة ، أما بالنسبة لنا في الأردن وفي غيره من دول العالم الثالث فإن كل وزارة تستقل عن غيرها ، مثلما يستقل كل وزير في شخصيته ورأيه وأسلوبه في إدارة وزارته !
لن نخدع أنفسنا فنقول إن لكل وزارة خططها الموضوعة ، وأنه ما على الوزير إلا أن يعمل على تنفيذها ، فالتجربة العملية أظهرت ما يكفي من الشواهد على انتقال الوزارات من عهد وزير إلى عهد وزير ، وأن التشريعات والقوانين والأنظمة والخطط قابلة للتغيير بمناسبة ، ومن دون مناسبة ، وإذا كان هناك من يقول إن تشكيل مجلس اقتصادي مصغر داخل مجلس الوزراء ، أو المجالس الاقتصادية الاستشارية استطاعت أن ترسم إستراتيجية يجري العمل بها ، فهناك من يقول في المقابل هذا ما لا يحدث مطلقا من الناحية العملية ، فتلك المكونات الأساسية تعمل بالحد الأدنى من التنسيق والتشبيك بين الوزارات والمؤسسات المعنية ، من أجل إدخال ضروس الدواليب مع بعضها البعض لتدور عجلة الاقتصاد بقوة وسلاسة .
الغاية مما سلف هو الدعوة من جديد إلى تشكيل مجلس أعلى للاقتصاد الوطني قادر على تحديد الأولويات ، وتنسيق السياسات وتنفيذها ، وإزالة العراقيل حتى لو كانت تشريعات أو قوانين أو أنظمة عظم ضررها عن نفعها ، أو إدارات ومؤسسات زائدة عن الحاجة ، أو بيروقراطية بائسة ، أو سوء إدارة للمؤسسات العامة والخاصة ، أو تشويه للبيئة الاستثمارية ، أو ما نعرفه ونتحدث عنه ليل نهار من مشكلات نعرفها ونغض النظر عنها ، ونتذمر منها ولا نحلها ، فمن دون أن نذهب إلى الرؤية الملكية السامية بكل عزيمتنا وقدراتنا وخبراتنا الحقيقية سيظل الوضع على حاله ، وتصير الحقيبة بلا فائدة ، تتناثر أوراقها في الهواء ، لا سمح الله .