ما هي حقيقة الصور؟
أيا تكن الجهة التي تشرف على المخيم الكشفي، فإننا أمام جريمة مكتملة الأركان. أطفال وفتيان صغار، يخضعون لتدريبات عسكرية، تحاكي أساليب الجماعات الإرهابية؛ القفز وسط النيران المشتعلة، وغمر رؤوس الأطفال بالماء والتراب، والزحف بأجساد عارية.
الصور التي نشرتها مواقع إخبارية، مرعبة. والمتوفر من المعلومات يفيد بأن التدريبات تتم في نطاق مدرسة خاصة، تقع على الطريق بين عمان وجرش، ضمن برامج لمخيمات كشفية تديرها جماعة الإخوان المسلمين.
الجماعة استنكرت هذه الاتهامات، ونفت صلتها بالمخيم الكشفي، وقالت إنها محاولة للتأثير على خيارات المواطنين في الانتخابات النيابية الشهر المقبل.
لنضع جانبا البعد السياسي للواقعة، ونركز أكثر على الجانب القانوني. الصور تكشف وجوه المدربين والتلاميذ، وتحدد موقع المخيم. ولا بد أن لدى الجهات الرسمية التي سربت الصور معلومات وافرة عن المخيم.
ينبغي على جهات التحقيق إحضار جميع المعنيين بالمخيم والمدرسة التي جرت فيها هذه التدريبات المروعة، والتحقيق معهم، وتحويلهم إلى القضاء بتهمة تعريض حياة أطفال للخطر، وغرس سلوكيات عدوانية في نفوسهم، ودفعهم للقيام بأعمال تهدد حياتهم وحياة المحيطين بهم. فما حملته اللقطات المصورة يمثل، في كل الأحوال، انتهاكا خطيرا لحقوق الطفل.
وإن كانت الصور تكشف الجوانب العملية من التدريبات العسكرية، فإن التحقيقات ستبين فحوى الدروس النظرية المصاحبة لهذه التدريبات، وما تتضمن من مفاهيم وأفكار قد تكون أكثر خطورة من القفز فوق البراميل المشتعلة، والزحف على البطون.
لا يعنينا، كمتابعين، التوظيف السياسي للواقعة، فذلك شأن آخر. المهم هو الإحاطة بالظاهرة، لما تنطوي عليه من خطورة، والتأكد من حجم انتشارها وتكرارها في مناطق أخرى من المملكة، ومحاسبة القائمين على مثل هذه التجاوزات؛ سواء كانوا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أم لم يكونوا.
لقد اعتادت الجماعات الدينية تنظيم معسكرات "كشفية". ولعقود مضت، استُغلت مثل هذه المعسكرات لتدريب "الأشبال" على المهارات القتالية، وتطورت لتُخرج مقاتلين مؤهلين لحمل السلاح وخوض حرب العصابات. وفي الأردن تحديدا، صدّرت هذه المعسكرات المئات من المقاتلين إلى أفغانستان قبل أكثر من ثلاثة عقود.
اختفت تلك الظاهرة لاحقا، مع تراجع الأردن عن دعم الفصائل الجهادية في أفغانستان. ولم تسجل مظاهر عسكرية إلا قبل ثلاث سنوات تقريبا، عندما نظمت الحركة الإسلامية استعراضا مليشياويا وسط عمان، أثار هلع وقلق قطاعات شعبية واسعة، مثلما أثار خلافا حادا في أوساط الجماعة ذاتها.
ومنذ ذلك الوقت، لم نعد نرى مثل هذه التدريبات، خاصة للأطفال، إلا في معسكرات تنظيم "داعش" الإرهابي في سورية. وقد رأيناهم فيما بعد يُستخدمون في عمليات إرهابية شنيعة، لا بل ويجزون الرقاب بأيديهم الطرية.
لا نريد أن نذهب بعيدا في أفكارنا وتحليلاتنا. لكن ما ظهر في صور المخيم الكشفي يثير القلق حقا، ويستدعي تدخلا وتوضيحا من طرف السلطات الرسمية. فقبل أن نمضي في تأويلات وتكهنات، ينبغي أن نسمع القصة كاملة، ونشهد تحقيقا قضائيا جديا.