السكرتيرات المظلومات
المهنيون؛ من أطباء ومهندسين ومحامين وصيادلة، هم عماد الطبقة الوسطى في أي مجتمع. وهم الأكثر حساسية لقيم العدالة وحقوق الإنسان، والأشد حرصا على مصالح الفئات الشعبية.
في الأردن، يحتل النقابيون صدارة المشهد السياسي والحزبي، وعادة ما يقفون في الصف الأول عندما يتعلق الأمر بالحقوق الاجتماعية والوظيفية للمواطنين، وفي الدفاع عن الحريات العامة.
لكن هل تنسجم أقوالهم مع أفعالهم دائما، خاصة عندما تقترب مصفوفة الحقوق هذه من جيوبهم ومصالحهم؟
حسب معلومات مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي صرحت بها مدير عام المؤسسة السيدة ناديا الروابدة، أقوال معظم المهنيين لا تطابق أفعالهم مطلقا.
المهنيون هم أكثر الفئات تهربا من شمول موظفيهم، خاصة السكرتيرات، بمظلة الضمان الاجتماعي.
تكشف الروابدة أن عدد العيادات الطبية الخاصة المسجلة في "الضمان" يبلغ 1100 عيادة من أصل 7 آلاف، بنسبة تهرب تقدر بـ87 %. أما عيادات طب الأسنان المسجلة، فلا تزيد على 130 عيادة من أصل2597، وبنسبة تهرب تبلغ 95 %.
مكاتب المحامين المسجلة في الضمان الاجتماعي لا تزيد على 145 من بين أكثر من 4 آلاف مكتب. والصيدليات الخاصة تبلغ 656 صيدلية من بين إجمالي 2508.
ولا يقف الأمر عند حد انتهاك حق ما يزيد على 15 ألف سكرتيرة في الضمان الاجتماعي، بل يتعدى ذلك إلى انتهاك حقهن الأساسي في رواتب منصفة بدل ساعات العمل الطويلة؛ إذ لا تزيد رواتب معظمهن على الحد الأدنى للأجور، والبالغ 190 دينارا في الشهر. والآلاف منهن يعملن برواتب لا تزيد على 100 دينار في الشهر.
مجالس النقابات المهنية التي لا تتوانى عن نصرة المظلومين في بلاد الواق واق، وتنظيم الندوات لمناقشة قوانين الضمان الاجتماعي والضريبة والانتخاب وسواها من التشريعات، تعلم الحقائق المُرّة عما يقع من انتهاكات داخل بيتها، لكنها تغض الطرف، لاعتبارات انتخابية طبعا. ولا تجرؤ نقابة واحدة على محاسبة منتسبيها على خرقهم لقانون الضمان الاجتماعي، وهضم حقوق الموظفات في مكاتبهم. لا بل إن بعض من يتورط في مخالفة القانون، أعضاء في مجالس النقابات، ومن أصحاب الصوت العالي في الندوات والاعتصامات والمهرجانات.
إدارة الضمان الاجتماعي تتحمل هي الأخرى مسؤولية عن هذه الانتهاكات؛ فعيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمهندسين، ظاهرة للعيان في كل شارع وحي، ويمكن لفرق المؤسسة الوصول إليها في كل الأوقات، للتحري عن أوضاع الموظفين والسكرتيرات، والتأكد من شمولهم بالضمان الاجتماعي. وتملك المؤسسة حسب قانونها، صلاحيات اتخاذ إجراءات عقابية بحق أصحاب المكاتب والعيادات.
كنا نعتقد واهمين أن أخلاقيات نخبة الطبقة الوسطى من أطباء ومهندسين ومحامين، لا تقبل ممارسات كهذه، طالما كتبت حولها الصحف منذ زمن. تصريحات مدير الضمان الاجتماعي تؤكد أن هذه الانتهاكات ما تزال قائمة، وبمعدلات عالية جدا، تناقض إدعاءات هذه النخبة وخطابها السائد.
واضح أن التهرب من استحقاقات القوانين هي سمة عامة لممثلي الطبقة الوسطى؛ فبالإضافة للتهرب من قانون الضمان الاجتماعي، يتصدر المهنيون قائمة المتهربين من قانون الضريبة. وقد بات المشاهير منهم أساتذة في الاحتيال على القانون.