حرب الكرد
التدخل التركي في شمال سورية، يوجه ضربة خطيرة لأحلام الكرد ليس في سورية وحسب، بل في الإقليم؛ ويضرب أيضا حلم الأمة الرابعة الممزقة بين ثلاث أمم تاريخية تسيطر على الشرق القديم، هي الأتراك والفرس والعرب. إذ توضح طبيعة التفاهمات الجديدة، سواء الإقليمية أو الدولية، المصير والحسم اللذين تقاد نحوهما الأزمة السورية، وقبل ذلك المصير الذي ستقاد إليه عشرات الفصائل المسلحة التي تقاتلت على مدى سنوات الحرب السورية الماضية.
فعلى مدى الأيام الثلاثة الأخيرة، واصلت الدبابات التركية عبور الحدود تحت ذريعة تخليص المناطق الحدودية من تنظيم "داعش"، بعد أن تم دحر هذا التنظيم من بلدة جرابلس الحدودية بمساعدة الطيران التركي والأميركي، فيما عيون الأتراك تذهب نحو وقف تقدم الكرد ومنعهم من تشكيل منطقة حكم ذاتي في شمال سورية، وبالمعنى الاستراتيجي إطفاء القوة الكردية التي ازدهرت وأصبح لها شأن ووزن.
صحيح أن الكرد ارتكبوا سلسلة من الأخطاء في تحالفاتهم. وهم يقفون اليوم وحدهم، وربما قريبا من دون حلفاء، ما يفسر حجم عبثية الحرب السوداء في سورية، والمصائر التي تؤول إليها كل الفصائل المتقاتلة. فوحدات حماية الشعب الكردية التي وقفت لأشهر وحيدة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها "داعش"، تداس في هذا الوقت من قبل الدبابات التركية. قبل أشهر، وحتى أسابيع قليلة، كان العالم ممتنا من إنجازات الكرد في حربهم الشرسة ضد "داعش"، فقد قاوم الرجال والنساء مقاومة شرسة، وقدموا تضحيات كبيرة، وحققوا انتصارات واسعة لم يحققها التحالف الدولي بكل ما لديه من ترسانة عسكرية، بل -كما فعلوا في كوباني (عين العرب)- خاضوا حربا شرسة نيابة عن العالم المتقدم.
ما يحدث في هذا الوقت، يعكس سلسلة من التفاهمات التي بدأت في التبلور في الأسابيع الأخيرة، والتي ضمنت الاستدارة التركية الجديدة بأقل خسائر ممكنة. ففي هذه الأثناء، يعاد ترتيب التحالفات الجديدة. ويبدو أن سلسلة الزيارات التي شهدتها موسكو وأنقرة وطهران ودمشق سرا، أخذت تؤتي جانبا مهما من نتائجها. فالولايات المتحدة هي اللاعب الأبرز فيها إلى جانب الروس، وأهم نتائجها أخذت تظهر على الأرض في الاتفاق حول داريا ودخول الجيش السوري لها، وفي الشمال دخول الجيش التركي الأراضي السورية لمنع الكرد من أي تمدد وإبعادهم الى شرق الفرات، فيما تبقى المعركة حول حلب هي الأكثر غموضا في كل هذه التحولات.
إلى هذا الوقت، يبدو أن الكرد هم الخاسر الأكبر في كل ما يجري. أما تاريخ تحالفاتهم الغربية، فهي بلا جدوى في هذه اللحظات الحرجة.
يصل عدد الكرد إلى نحو 30 مليون نسمة، يشكلون نحو
17-20 % من سكان سورية، وحوالي 25 % من سكان تركيا، ونحو
15-20 % من سكان العراق. وعلى مدار أجيال، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية. ونتيجة لحركات التمرد التي قامت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أعيد توطين الكثير من الأكراد، ومنعت الكثير من الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأشير للكرد باسم "أتراك الجبل".
كرد سورية هم جزء من الشعب السوري. وفي هذه اللحظات الحرجة، عليهم ان يستعيدوا البناء على وحدة التراب الوطني السوري والمساهمة في بناء دولة ديمقراطية مدنية لكل مواطنيها؛ فالعالم المتقدم والآخر أيضا بلا ذاكرة.