ضحايا .. جميعاً !
ثمة التباس مدهش ، لدى الرجل، حين يشاء أن يفهم المرأة !
فالمرأة إن تعثرت في حياتها برجلٍ محافظٍ جداً ومتزمت اجتماعياً خنقها، وإن كان منفتحاً فهي مُصرّة دائماً على فحص غيرته وتعلُّقِه باختبارات قاسية تنظمها له بين فترةٍ وأخرى !
إن اندفع باتجاهها فهو رومانسي كأبطال الروايات ولا يمتثل للواقع، وإن أحجم فهو غير مندفع بما يكفي، وإن تردد فهو غير مقتنعٍ بها تماماً !
إن حاصرها بالحب والاهتمام الفائض بتفاصيلها فهو يفقدها استقلاليتها وشخصيتها الحرّة ويوجّهها، وإن ابتعد بما يليق برجل متحضّر ليفسح المجال لشخصيتها المستقلة لتتمدد باسترخاء فهو رجل غير مبال ومشغول بشيءٍ أو أحدٍ ما !
والمرأة التي حصلت على حريتها حديثاً، أو تلك التي حصلت عليها بعد معارك شخصية ضارية، تظلّ تتحسس حريتها، وتتفقدها، وتخشى أن يقضم الرجل شيئاً منها إن هي غفلت عنها !
والمرأة، كونها من الكائنات التي حققت حريتها واستقلالها متأخرة جداً تظلّ في حالة قلقٍ وهلع على هذا الكنز الثمين، والمفارقة في هذا الكنز أنها لا تستطيع اخفاءه أو كتمانه فأهمية الحرية في استعمالها علناً !
والحرية بحدّ ذاتها فِعل علني، لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن تُمارس سرّاً، وإلا صارت كذبة ، كذبة الشخص على نفسه !
لذلك تبدو علاقة الرجل بامرأة مثقفة وحرة، ( وبالمناسبة كلمة حرة أليق وأكثر أصالة بالمرأة من كلمة متحررة، فالمتحررة تليق بعبدة تتفلّت ولا تناسب امرأة حرّة الروح كالخيل ! ) .. أقول تبدو علاقة الرجل بامرأة حرة مرشحة للصدام دائماً، فهي تدخل العلاقة مع الرجل بفكرةٍ مسبقة هي أن هذا الكائن لديه خزائن من الحريات، ولديه الكثير الكثير من المنح وجوائز التقدير التي قدمها له الدين والمجتمع والأهل، ووجودها بقربه يَذكّرها دائما بخزائنها الفارغة، وبتفوقه المفترض !
ولا تنتبه المرأة ان هذا الرجل، بدوره، لديه الكثير من الخزانات الفارغة، منها الفارغة أصلاً ومنها تلك التي تعرضت للسطو .. !
وأن هذا (الرجل البطل) ليس سوى ضحية، مثلها تماماً، لكن جلادِيهما منحوه بعض التفوق عليها ليستمتعوا بالمباراة التي ستحصل بين الضحيتين لاحقاً !
تماماً مثل اولئك الذين يتحلّقون حول صراع الديوك في الأسواق الشعبية الفقيرة في بعض قرى العراق وتركيا وآسيا الوسطى !
تخرج المرأة من الصراع مُدمّاة بالجروح الغائرة، ويخرج الرجل بجروح أقل، لكنهما يثيران متعة الجلاد بمباراتهما غير الضرورية.
فالذي يليق بامرأة ورجل حُرّين أن يخبئا جواهرهما الثمينة في خزانةٍ واحدة ، وان ينصرفا الى مباراة واحدة مع الذي يسرق انسانيتهما معاً !
وأن يتذكرا دائماً أن خزانتيهما فارغتان من شيء واحدٍ لا علاقة له بالتصنيف البيولوجي !