من ينتصر لكرامة "الأردنية"؟
للجامعة الأردنية مكانة خاصة عند الأردنيين؛ من درس فيها، ومن لم يدرس. ولن نبالغ إذا ما قلنا إنها مكون أصيل من مكونات هوية الدولة الأردنية، والشاهد الملك على مسيرة التعليم العالي في الأردن، لاعتبارات عديدة أبرزها أنها الجامعة الرسمية الأولى التي تأسست في المملكة.
حضنت عبر تاريخها عشرات الآلاف من الطلبة. وخرّجت خيرة الكفاءات الأردنية؛ في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وبرز من بينهم قادة كبار على مستوى الدولة.
قامات من علماء الأردن والعالم العربي علَّموا في "الأردنية".
شخصيا لم أدرس في الجامعة الأردنية. لكن لا تفارقني حتى الآن الدهشة عندما عبرت في السيارة من جانبها، وشاهدت بواباتها التي بدت في حينه تحفة هندسية.
مع مرور الزمن، صارت البوابة عنوانا للجامعة، حملتها طوابع رسمية للدولة، وصورتها كتب مدرسية ولوحات فنية. وفوق ذلك، صار عبورها حلما لآلاف الشبان والشابات الطامحين إلى مواصلة مشوار العلم والمعرفة في "الأردنية".
مشهد البوابة مهيب حقا، يمنحك شعورا بقيمة المكان، ويأخذ لشارع طويل تظلله أشجار الصنوبر.
لفت نظري صديق قبل مدة إلى ما لحق ببوابة الجامعة من أذى. فقط ومنذ يومين وقفت قربها، وأدركت سر المرارة التي تحدث بها صديقنا. من حقه وحقنا جميعا أن نشعر بالمهانة؛ ذاك الصرح المرتفع بقبابه، حل في مستوى الأرض بعد أن ارتفعت من فوقه يافطة عملاقة ومنارة لمركز تجاري شهير جرى افتتاح فرع له في الجامعة. باختصار شديد، أصبحت بوابة الجامعة الأم تربض في كنف علامة لشركة تجارية. وإذا ما شاهد زائر الموقع لأول مرة، فسيعتقد على الفور أنه أمام مدخل ذاك المركز التجاري المعروف على مستوى العالم، وليس عند بوابة صرح أكاديمي عريق.
شيّد هذا "الصرح التجاري" في زمن الإدارة السابقة للجامعة. ولا أعلم كيف قبلت إدارة الجامعة هذه الإهانة الموجهة لكل أردني وأردنية. وربما أوجه السؤال نفسه لطلبة الجامعة وخريجيها أيضا.
ثار جدل طويل في ذلك الوقت حول توجه الجامعة لفتح أبوابها أمام الاستثمارات التجارية، لزيادة مصادر دخلها الشحيحة ومواجهة أعباء النفقات الهائلة. وقف البعض ضد هذا التوجه، وأيده آخرون. في المحصلة، تفهم كثيرون خطوة إدارة الجامعة، في ظل انعدام البدائل، وتخلي الحكومات التدريجي عن دعم الجامعات الرسمية.
لكن الأخذ بهذا الخيار لا يعني إذلال الجامعة الأم على هذا النحو، ووضع يافطة عملاقة على علو فوق بوابتها التاريخية، خاصة أن الجمهور المستهدف لمركز التسوق هم طلبة الجامعة داخل أسوارها وليس خارجها؛ فلماذا إذن نصبت اللوحة باتجاه الشارع العام، وبمحاذاه البوابة الرئيسية، وعلى ارتفاع يزيد بأمتار عن ارتفاع بوابة الجامعة؟!
على حد معرفتنا جميعا؛ "الأردنية" جامعة مترامية الأطراف، وتنبسط مبانيها على مساحة واسعة من الأراضي. وكان بمقدور إدارتها إقامة المركز التجاري في المنطقة الخلفية، عوضا عن مكانه الحالي.
المشهد مهين حقا، ولا يليق بالجامعة الأردنية ولا بمكانتها العظيمة. ونأمل من رئيس الجامعة الجديد أن يتدخل على الفور وينتصر لكرامة "الأردنية" وكرامة خريجيها وطلبتها.