ظهور أبنائنا تفضح تخلف تعليمنا
التعليم في بلدنا، قصة وجع لا تريد أن تنتهي.
وصل العالم الى القرن الحادي والعشرين، فذهبت دول كثيرة الى تحسس مواضع التقصير فيها، كانت أول انتباهاتها الى تردي تعليمها، فعملت على تحسينه وتطويره، بقوة 9 ريختر، الى أتمتته، وأدخلته الى حيز نظيف متقدم، يواكب العصر، لمد الأجيال الجديدة بفرص حياة أفضل، وعالم أكثر حيوية وإنتاجا.
هنا؛ يذهب الطالب الى مدرسته بحقيبة، تنحشر فيها بضعة كتب دراسية، وثمة مدارس استغنت عن الحقيبة، ومنحت الطالب، جهازا الكترونيا، عبره يفتح أي كتاب يحتاجه في حصة الدراسة.
في بلدنا، يشيل الطالب أو الطالبة منذ السنة الأولى في الصفوف المدرسية، أكثر من عشرة كيلوغرامات من الكتب على ظهره، يسير فيها مسافة لا بأس بها الى مدرسته، وإن كان في مدرسة خاصة، يدفع والده دم قلبه عليه فيها، ليخرجه من رطانة التعليم الحكومي البائس، يشيل الكمية ذاتها.
لن نتطرق الى ما تسببه هذه الحمولة الثقيلة واليومية للطالب في غدوه ورواحه للمدرسة، فهذا أمر نتركه لذوي الاختصاص، ولكننا نتطرق الى تلك القصة التي تنفلت يوميا على ألسنة مسؤولين، من أن البلد ذاهب الى تطوير وتحديث التعليم، باعتباره محطة مهمة في إنتاج مجتمع متطور. هذا الكلام نسمعه منذ قحط.
مشهد المشاجرات والعنف الذي يتخلل مدارسنا وجامعاتنا، لا يشي بذلك، جزء منه، تخلف في مناخات طاردة في المؤسسات التعليمية، تبدأ بكميات الكتب الثقيلة على ظهر الطلبة، ولا تنتهي بعجز المعلمين عن أن يكونوا محترفين في أدائهم، وتواصلهم مع الطالب، ولا في المدارس ذات التجهيزات البائسة والمخزية، غالبا، ولا في إدارات المدارس والوزارة العاجزة عن فهم واقع الطالب، وواقع التعليم الحديث.
لنعد الى حمولة أبنائنا الثقيلة على ظهورهم.
لا يريد واضعو سياسات التعليم في البلد، تصديق أن عصر الكتاتيب انتهى، وأن التعليم لم يعد مجرد جلسة مجموعة من الصغار حول شيخهم الذي يحمل عصا، ويطلب منهم تسميع ألفية ابن مالك، لا، التعليم أضحى اليوم أمرا مختلفا.
طفل صغير لم يدخل المدرسة بعد، يمكنه بلمسات بسيطة من أصابعه أن يهزم كاسباروف في لعبة شطرنج على الكمبيوتر، وأن يجعل مدير تربيته يفغر فمه، وهو يشاهده، يدير لعبة المزرعة الشهيرة على النت، فكيف إذن يطالب، يأتي للمدرسة بحمولة مكثفة من المعرفة الإلكترونية بمختلف ألوانها وضروبها، له أن يصدق باقتصار التعليم على عتل حقيبة محشوة بالكتب، تثقل ظهره، وكاهل والديه، وتسبب له التوتر والألم يوميا؟
ككل شيء في العالم المعاصر، نال حظه من التطور والتقدم المذهل، نال التعليم ما يتفوق على عقلية واضعي السياسات التربوية والتعليمية في البلد، وحشرهم في حقيبة المدرسة، والبحث عن حلول ساذجة ومواربة للعنف المدرسي والجامعي، في ظل مؤسسات تعليمية مهترئة، مصابة بثاني أكسيد القرون الوسطى.
طبعا هناك من سيأتي ويقول: كل قضايا التعليم اختزلت في حقيبة؟
نعم الحقيبة هي القصة، ودالة على أن إثقال كاهل الطلبة، إثقال للتعليم كله.