زمن اللعب "على المكشوف" في سورية!
لسان حال أغلب المحللين والتحليلات حيال تطورات الشأن السوري هذه الأيام يتحدث عن ضبابية واسعة، باتت تلف المشهد السوري وحربه المستعرة بين المحاور الدولية والاقليمية المتصارعة فيه، وبات التحليل لتطورات المعارك والاختراقات العسكرية والجيوسياسية لهذا المحور أو ذاك، والانقسامات التي تبدو داخل بعض المحاور، مجرد ضرب من التكهنات والطلاسم، في ظل شبه إجماع على أن ثمة ما هو جديد وغير معلن، طبخ في الغرف المغلقة ببعض عواصم القرار الفاعل في هذه الأزمة.
تشفق أحيانا على بعض أشباه المحللين، أو من تطلق عليهم بعض الفضائيات ووسائل الإعلام خبراء في الشأن السوري، وهم يقدمون سيناريوهات و"مخططات" مفترضة لتطورات الوضع الميداني على الأرض السورية، التي تمور بعشرات آلاف المقاتلين من كل حدب وصوب، ومئات الجبهات الأساسية والفرعية، وعشرات الأجندات والأهداف التي تتباين حد التناقض بين المحاور الدولية والإقليمية، قبل أن يكتشف المتابع وهؤلاء "الخبراء والمحللون" المفترضون بعد يوم أو يومين أن تحليلاتهم وسيناريوهاتهم محض خيال أو أمنيات، وعلى أقل تقدير أنها مجرد مواقف مفصلة حسب الطلب لهذه الجهة الإعلامية أو تلك، في ظل أبشع حروب الإعلام وأوسعها، والتي ترافق الأزمة السورية منذ اليوم الأول لاندلاعها العام 2011!
قد يكون الأبرز والأهم اليوم، على صعيد تطورات المشهد السوري هو أن اللعب الدولي والإقليمي في سورية، وعلى حساب ملايين السوريين المهجرين والهاربين من جحيم الموت والدمار في أصقاع الدنيا المختلفة، بات لعبا "على المكشوف"، لم يعد ممكنا تغطيته بمساحيق تجميلية كاذبة ومضللة، جهدت ماكينة اعلامية ضخمة وابواق لمؤسسات شعبوية وايديولوجية، على رسمها وتسويقها طوال سنوات الأزمة، المفتوحة -وللأسف- على مزيد من الدماء والضحايا والدمار.
تضارب مصالح اللاعبين الإقليميين "الصغار" مع مصالح اللاعبين الدوليين الكبار في أكثر من مفصل وجانب، خلال العامين الماضيين، وهو تضارب وتباين وصل ذروته خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية، أعاد خلط الأوراق والحسابات، وفتح الباب للقاءات لم تكن متوقعة قبل سنتين، في غرف مغلقة بهذه العاصمة الدولية أو تلك، ما يفسر -ربما- حجم الإرباك والتشويش الذي يقع فيه المحللون وهم يحاولون قراءة تطورات الأزمة السورية، وتحديدا بفعل الاقتحام التركي المباشر للأراضي السورية واحتلال بعض المناطق، لوأد الطموحات الانفصالية الكردية، وعبر قوات أرضية جلها ممن كانت –وما تزال- تطلق عليها تركيا وحلفها الإقليمي، "ثوارا وحركات شعبية" سورية تقاتل ضد النظام بحثا عن الديمقراطية والكرامة! ليتكشف اليوم أنها حركات و"ثوار" ينفذون أجندة راعيهم وممولهم، على حساب أهداف "الثورة"!
قصة حرية الشعب السوري وحقوقه بحياة كريمة، التي دمرت سورية في سبيلها، باتت تتراجع أسطوانتها إعلاميا وسياسيا، أمام تقدم حديث الأجندات الدولية والإقليمية الواضحة، حيث بات الحديث علنا ودون مواربة عن أهداف التصدي للحلف الشيعي والإيراني، في سورية وغيرها، وعن حرب تركيا الأولى في منع إقامة حزام كردي على حدودها، وهو هدف تلتقي فيه طبعا مع إيران والعراق، رغم أن الأخيرتين من المحور المقابل، وتقاتل ضدهما في حلب وغيرها!
الولايات المتحدة الأميركية، التي تدير لعبة الشطرنج الملتهبة بالمنطقة وسورية، تقترب من تحقيق هدفها الاستراتيجي الواضح الأول، وهو القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، فيما ترفض الانجرار لما أراده ويريده حلف مناصريها الإقليميين من الدخول بقوة للإطاحة بالنظام السوري، وتكتفي على هذا الصعيد، بإبقاء هذا النظام وحلفائه مستنزفين، وبما يضمن بقاء سورية الدولة وشعبها خارج معادلة اللاعبين الفاعلين في الإقليم!
لم يعد الحديث عن الشعب السوري ومستقبله، وقصة "الثورة والثوار" إلا من باب الدعاية الإعلامية، التي توظفها مختلف الأطراف المتقاتلة في حرب المصالح والتوازنات الإقليمية والدولية، لكن من دون أن تستطيع إخفاء أولوياتها ومحركاتها الحقيقية للتدخل واللعب في الارض السورية، وعلى حساب شعبها ومستقبلها! فاللعب حقا بات مكشوفا.