يا لها من انتخابات تاريخية
الجدل الذي ثار حول حادثة تاريخية رواها مرشح إسلامي مستقل في الزرقاء، كسر رتابة الانتخابات على نحو غير متوقع، وفجر نقاشا واسعا، جذب علماء دين ومؤرخين، ووسائل إعلام، وجمهورا عريضا من المتابعين، لم يكن للعملية الانتخابية أن تناله لولا مداخلة المرشح التي ساقها في معرض سعيه إلى كسب قلوب الناخبين في الزرقاء.
تصدى خصوم المرشح من المنافسين في الدائرة ذاتها لتفنيد روايته عن إقامة الرسول الكريم ليلة في منطقة السخنة التابعة لدائرة الزرقاء الانتخابية. ودخل مؤرخ أردني على خط السجال برواية قلبت الموازين، بقوله إن "الكافر" عتبة ابن أبي لهب هو من تواجد في منطقة سيل الزرقاء، وقضى نحبه فيها.
النقاش وإن كان في ظاهره تاريخيا، إلا أنه في جوهره سياسي وانتخابي صرف. فالحديث عن تلك الواقعة التاريخية ما كان ليثير الاهتمام، لو لم يكن في سياق حملة انتخابية يمثل المرشح صاحب الرواية أحد المنافسين الأقوياء فيها.
وعندما سارع منافسون إلى تكذيب الرواية، فإنما كان هدفهم قطع الطريق على محاولة المرشح توظيفها انتخابيا، وجذب جمهور عريض من المتدينين، لطالما كان مثل هذا الخطاب يحملهم لصناديق الاقتراع بالآلاف ولحساب لون معين من المرشحين.
لكن الحاصل من نقاش وتجاذب بين المرشحين وسواهم من المهتمين بالتحقق من صحة الروايات التاريخية، يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية عديدة تخص الانتخابات والحملات الدعائية، وسلوك المرشحين.
هل يجوز لمرشح أن يوظف الرموز الدينية المقدسة في حملاته الانتخابية؟ وثمة مفارقة هنا؛ ففي الوقت الذي تخلى فيه الإخوان المسلمون عن الشعارات الدينية في الانتخابات، يخرج من بين المستقلين من يرفعها على نحو يفوق ما شهدنا في حملات سابقة للإخوان، قبل أن يرفعوا الراية البيضاء في الانتخابات الحالية.
التفاعل الشعبي مع الحادثة ورواية المرشح، يبعث على التساؤل أيضا؛ كيف لحادثة مختلف عليها من التاريخ البعيد أن تجذب جمهورا عريضا لميدان الانتخابات، بينما لا تثير فيهم برامج انتخابية تناقش مشاكلهم الراهنة أدنى اهتمام؟
والسؤال ذاته مطروح على المرشحين المختلفين على تلك الواقعة؛ أوليس في الزرقاء من هموم وقضايا تستوجب حوارا مع الناخبين، بدلا من الغوص في حوادث تاريخية متروكة في العادة للمختصين من أصحاب الرأي والخبرة؟
حتى اللحظة، لم يرد المرشح صاحب رواية السخنة على من فند وكذب روايته. الأرجح أنه يخبىء لخصومه مفاجأة في أول مهرجان انتخابي جديد. ربما يحمل أدلة جديدة تؤكد صحة روايته، أو تكون في جعبته قصة جديدة تطغى على السابقة، وتلهب القلوب المشدودة لخطابه.
في كل الأحوال، الانتخابات النيابية، وبدلا من أن ترسم طريقنا للمستقبل، وتتصدى لسيل الهموم والمشاكل التي نواجه على أكثر من صعيد، تعيدنا بحملاتها الانتخابية إلى الماضي السحيق.
من قال إن الانتخابات النيابية في الأردن حدث تاريخي، كان على حق.