برلمانات المدارس ومشروع الإصلاح التربوي
انتخب طلبة المملكة يوم الخميس الماضي برلماناتهم المدرسية. وما بين المزاح والجد، كنت أقرأ تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي عن سعر الصوت الذي راوح بين عشرات القروش ووصل إلى دينار، بينما أخذ أحيانا شكل رشوة عينية؛ سندويشة فلافل أو شاورما.
لا بأس أن يتم التدقيق إذا كان للظاهرة أي أساس جدي أو حقيقي؛ فنحن تحمسنا دائما ودعمنا فكرة البرلمانات المدرسية أو مجالس الطلبة المنتخبة. لكن لا نريد أن ينتهي بها الأمر مثل انتخاباتنا النيابية التي أخذت تتحول إلى أداة لإفساد المجتمع، بدل أن تكون أداة المجتمع في مواجهة الفساد والفاسدين. ولعل هذه هي تماما استراتيجية القوى المعادية للديمقراطية والمشاركة والرقابة العامّة على السلطة؛ أي إفساد العملية الانتخابية ذاتها ونزع الثقة بها من داخلها.
لا أريد أن ألقي ظلالا قاتمة على "العرس الديمقراطي" للطلبة، وسأفترض أن التعليقات في وسائل التواصل كان مزاحا بشأن الموضوع، استحضارا لما شهدته الانتخابات النيابية قبل وقت قليل من استخدام غير مسبوق للمال الأسود. وأنا على ثقة أن وزير التربية والتعليم د.محمد الذنيبات، سوف يهتم بالأمر، ولا بأس من عقد لقاءات تقييمية في الصفوف حول الانتخابات، وسماع رأي التلاميذ حول سير العملية الانتخابية وملاحظاتهم ومقترحاتهم، وما يتوقعونه من ممثليهم ومن مجالس الطلبة. هذا مع العلم أن تعليمات رسمية تغطي إجراءات الانتخابات ودور مجالس الطلبة ومهماتها وصلاحياتها، وهي معقولة وتعطي دورا جديا للمجالس التي تنتخب من الصف الخامس الأساسي حتى الثاني عشر.
وحسب الوزير الذنيبات، فإن العملية الانتخابية للمجالس البرلمانية الطلابية أجريت تماماً كما تجرى الانتخابات النيابية؛ عملية ديمقراطية متكاملة بتنظيم دقيق، تهدف إلى تدريب الطالب على ممارسة حقه في الانتخاب وحقه في إبداء رأيه والمشاركة في الحياة بشكل عام، وغرس روح المواطنة الصالحة في نفس الطالب، وقبول نتائج التنافس والرأي والرأي الآخر. وحسب ما قال، فإن المعلمين والمعلمات الذين أشرفوا على سير هذه الانتخابات الطلابية، هم أنفسهم من قاموا بالمساهمة والإشراف في عملية الانتخابات النيابية التي جرت الشهر الماضي.
بالمناسبة، فإن مجالس الطلبة يمكن أن تكون قناة جدية لإشراك الطلبة في إبداء الرأي ومناقشة العملية التربوية وأساليب التدريس والمناهج، بدل الأعمال العشوائية التي يتم دفعهم إليها احتجاجا على هذا الأمر أو ذاك، وأسوأ شيء حرق الكتب أمام المدارس احتجاجا على تعديلات في المناهج أشك أنه قد تم الاطلاع عليها. وممثلو الطلبة الشرعيون والمنتخبون يمكن أن يكونوا قناة حقيقية للنقاش والتواصل حول كل شؤون مدارسهم، وفي الأثناء هي أداة تثقيف وتدريب على المشاركة والتعبير الحر، واتباع الوسائل العقلانية والمتحضرة في بحث المسائل وتكوين القناعات.
انتخاب البرلمانات الطلابية ليس جديدا، وهو مقرر منذ زمن؛ إذ ثمة تعليمات لهذه الانتخابات من العام 2007. لكن يبدو أنها لم تتم بانتظام، ولم يتم إيلاؤها اهتماما كافيا، وقد علمت فقط هذه المرة أنها أجريت في جميع مدارس المملكة العامة والخاصة بلا استثناء وفي يوم واحد. وهذه بداية طيبة نبني عليها، ويجب أن نحرص على أن تكون جزءا أصيلا من مشروع الإصلاح التربوي.