" الامير السعيد " .. حكاية مواطن أردني !
ايهاب سلامة - هو شخصٌ يستحق الرثاء بكل معنى الكلمة رغم أنه على قيد الحياة وفق سجلات اﻻحوال المدنية وزوجته التي تدعي عليه بالفالج 60 مرة في اليوم الواحد..
هو حيٌ فقط بدليل انفاسه التي تمارس الشهيق والزفير عنوة من رئتيه اللتين اسودتا منذ عشرات السنين بالنيكوتين.
ولد في حيٍ فقيرٍ لابوين معدمين لم يكونا يملكان سوى ما يستر جلدهما وكرت مؤن وكالة الغوث ودرزينة عيال.
ترعرع على الجوع والعوز، ونشأ بين رفاق دخلوا معترك الحياة قبل ان تدخل الحياة معترك أعمارهم.
كان ينتظر ملابسه التي غسلتها أمه حتى تجف ليتسنى له الذهاب للمدرسة وﻻحقاً الى كراج تصليح مركبات ليكمل نهاره ملطخًا بزيوت المحركات وشحمها ومثخنًا بشتائم مالك الكراج الذي لم يكن يتقن سوى الشتائم.
كبر على ذات وتيرة الفقر وعاش .. أكمل دبلوم الصناعة بشق جيوبه وأنفاسه ..وعاد بعد أن تخرج ليعمل في ذات الكراج الذي بدأ حياته فيه عند ذات العجوز الشتام اللعين.
يعود كل مساء الى بيته المكون من غرفتين استأجرهما بثلثي راتبه ليكمل باقي مصاريف الحياة بثلث ﻻ يكفي طعامًا لافواه اوﻻده الجائعين.
تدفعه قدماه رغمًا عن جسده الذي شاخ قبل اوانه حاملاً كيسين من الخضروات تعمد ان ينتقيها من مخلفات البائعين.
تستقبله (ما غيرها) بصراخ استهجان يفيق على إثره نصف سكان الحي من غفوتهم، لتعمده ايضًا نسيان شراء فاكهة تشتهيها منذ سنوات رغم أنف جيبه.
شره بتدخين السجائر التي يفر اليها من اخبار الحكومة التي ﻻ تسر البال، ومن معلمه العجوز القبيح، وزوجته التي تملك لسانًا اطول من لسان حرباء.
يلف سيجارة قبل ان ينام ويستيقظ نصف الليل مشعلاً اخرى ويعاود الهجوع على نغمات شخير أم العيال التي تتعمد بدورها ان تنام قبل ان يخطر على باله وسواس غواية !
يصحو مفزوعا فجرًا على صوت صراخ الابالسة أولاده وأمهم وهي توقظهم للذهاب الى المدرسة بعصا قشاطة مرة، وفردة "زنوبة" اخرى.. وصرخاتها أعلى من هدير دبابة معطوبة، فيخرج ليكمل مشوار حياته البائسة على ذات المنوال.
يغير طريقه كل يوم من امام البقال كي ﻻ يذكّره بدين عليه .. ويلوذ بالفرار اذا لمح مالك بيته كلما تاخر يومًا او يومين عن تسديد ايجار غرفتيه الآيلتين للسقوط.
أنهكته الديون ورفع الحكومة للاسعار والسلع التي لم تبق في جيبه نقودًا ولم تذر ..
يصاب بمس كلما بشرته زوجته بفواتير الماء والكهرباء وأقساط مايكرويف اشترته المستورة نكاية بزوجة أخيه وﻻ تعرف حتى اليوم كيفية استخدامه.
يرتدي ذات القميص الكاكي المخطط وبنطال جينز سميك منذ عشر سنوات وما زالت على جلده ذات الملابس.
ألمحه احيانًا اثناء مسيره في الشارع يخاطب نفسه، تارة يبتسم واخرى يتجهم ، مستحضراً تاريخ عمره الخراب إيابًا وذهابًا من العمل لبيته للكراج ..
هو باختصار شديد نموذج مواطن .. المواطن الذي باتت اعلى طموحاته تأمين لقمة خبز وتسديد الايجارات والفواتير .. دون التجرؤ بأن يحلم بغير الكفاف .
بالأمس، لمحته ملطخًا بالزيوت وقد تمدد تحت شاحنة معطلة أخذ بتصليحها ..
رمى مفتاح الربط من يديه فجأة.. ظننت انه لمحني وهمّ بمصافحتي ليمسك هاتفه النقال .. طبع بضع كلمات وابتسم ..
سلمت عليه ومضيت ..
ﻻحقاً.. تصفحت "فيس بوك" لافاجأ بطلب صداقة من شخص سمى نفسه "اﻻمير السعيد" وقد بعث لي رسالة فاذا به صديقي الميكانيكي وقد غير اسمه من "عبد الحي" لـ"الأمير السعيد" خوفًا من غيرة وبطش زوجته..
آخر بوست له .. كان بتوقيت لقائي به ظهر ذلك اليوم حين أمسك هاتفه وهو ممدد تحت الشاحنة .. قرأته وقد كتب : " يشعر بالسعادة : انا في طريقي لمنتجع بالبحر الميت" !