تطوير سياسة ترامب السورية
نشر كل من السياسي الأميركي الصهيوني دينيس روس، الذي كان مستشارا ومساعدا ومبعوثا لرؤساء ووزراء خارجية أميركيين عدة، ومعه أندرو تابلر، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (الصهيوني القريب من الإسرائيليين)، مقالا في دورية مجلس العلاقات الخارجية الأميركي؛ "فورين أفيرز"، حول سياسة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المفترضة في الشأن السوري، بعد أن يتولى المنصب مطلع العام المقبل. والفكرة الأساسية لديهما، أنه لا يمكن الاستمرار بالاكتفاء بمحاربة "داعش"، ولا بد مما هو أكثر من ذلك.
محور فكرة روس وتابلر، أنه يجب مواجهة الدعم الإيراني-الروسي للرئيس بشار الأسد، بضمان استقرار المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، مع الضغط على إيران وروسيا لقبول تسوية سياسية معقولة. ويحددان أن الهدف الأساسي هو مواجهة "التطرف الناتج عن النزاع" في سورية. ولكنهما يخشيان أن سياسات الولايات المتحدة تجعل الدول العربية لا تركز على مواجهة "داعش" بقدر ما تقلقها مواجهة قوات حزب الله، وأي قوات شيعية تأتي لسورية، فيما الأولوية الأميركية هي "داعش". (بينما يقلق الأتراك من كل من "داعش" والأكراد. والأخيرون هم أفضل حليف للأميركيين في سورية).
وفي وصفهما للواقع الراهن، يقولان إن كلا من "داعش" ونظام بشار الأسد، يسيطران، كل منهم على حدة، على ثلث سورية. ولا يتقبل الكاتبان أن سيطرة الأسد على حلب ستؤدي، إذا حصلت، إلى تغير جذري نهائي؛ إذ يقدران وجود مناطق مهمة لا يمكنه السيطرة عليها. ويعتقدان أن إحضار الأسد للمزيد من القوات من الخارج، خصوصاً من الشيعة، سيؤدي إلى زيادة استفزاز دول المنطقة، وزيادة دعمها للمعارضة.
في تنبئهما بسيناريوهات مستقبلية، يريان احتمالية أنّ القوات الكردية والمعارضة السورية أو التركية قد يهزمان "داعش" في مناطق مثل الرقة. لكنهما يستبعدان هذا السيناريو. ويشيران لسيناريو آخر سيئ، هو أن يتقاتل الأتراك مع المعارضة السورية.
يحمّل الكاتبان ضعف الدعم الأميركي للمعارضة السورية وزر تضخم القوى السلفية الجهادية؛ فقد انضم لهم السوريون الذين فقدوا الأمل في الدعم الأميركي. ويقترح الكاتبان النظر في خمسة تكتيكات محتملة، ترفض فكرة تقسيم سورية، كما يريد الروس، الذين يريدون بقاء الأسد في الحكم ولو على أجزاء معينة فقط من سورية. والتكتيكات المقترحة هي، أولا، مناطق حظر جوي؛ وقصف جوي ضد النظام لفرض وقف إطلاق النار؛ وتسليح المعارضة الموثوق بها؛ والحصار؛ والدبلوماسية.
ويشير الكاتبان أن إدارة ترامب أعطت إشارات لقبول فكرة مناطق الحظر الجوي، لكن لا يمكن تعميم الحظر على كل سورية، لأنّ ذلك يعني الصدام مع روسيا وقواتها. والأمر ذاته بشأن القصف الجوي للنظام، وهو ما يرحب به الكاتبان، ويريان أن هناك مناطق ليس فيها تواجد روسي، يمكن استهدافها. واستبعد الكاتبان أن يغير ترامب سياسة أوباما الرافضة منح أسلحة متطورة وكثيفة للمعارضة، ويعتقدان أن فرض حصار أمر ممكن وسيكون مؤثرا ضد النظام. وينتقدان ضعف الأداء الدبلوماسي الأميركي، ويطالبان بفعالية أكبر.
يحذر الكاتبان من استمرار السياسة الأميركية الحالية، ويطلبان أن يرسل ترامب إشارات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنّ عدم التزامه بقرار الأمم المتحدة 2254، الذي يتضمن وقف إطلاق نار وخطة نقل للسلطة، يخرج فيها بشار الأسد خلال 18 شهرا، سيؤدي إلى فخ حرب طويلة لا تستطيع روسيا كسبها ودفع تكاليفها.
يمكن الاستنتاج أن ملخص ما يراه الكاتبان، اللذان من غير المستبعد أن يكونا، بشكل أو آخر، في الإدارة الأميركية الجديدة، أن بقاء السياسة الأميركية الحالية خطر، ويؤدي إلى تقوية كل من "داعش" والنظام السوري. لكن لا يبدو أنهما يؤمنان بتنسيق التحالف مع الدول العربية وتركيا في سورية، ما عدا في موضوعات مثل الحظر الجوي. ويريدان سياسات أميركية خالصة. على أنهما في الوقت ذاته، يستبعدان، ولا يوصيان، بسياسات حاسمة أميركياً، بل يدعوان لسياسات من نوع الحصار وضربات جوية أو صاروخية محددة، بهدف تحسين الموقف التفاوضي. وبالتالي، هما يدعوان لسياسة استنزاف للروس، بحيث يجري منع الأسد من الانتصار، ولكن من دون حسم ينهي المعركة، إلا وفق تفاوض مع إيران وروسيا.