عنف مجتمعي أم جامعي؟
الأحداث المؤلمة التي شهدتها الجامعة الأردنية الأسبوع الماضي، شكّلت صدمة للمتابعين ولأسرة الجامعة الأردنية. وهي صدمة لم تكن فقط بسبب حدوث المشكلة واشتراك عدد كبير من الطلبة فيها، وإنما أيضاً لأنها شكّلت حالة من الاعتداء الخارجي على الجامعة، بسبب العدد والتنظيم اللذين تميز بهما المعتدون على الجامعة. كذلك، فقد تمتعت الجامعة الأردنية والجامعات الأردنية بشكل عام بغياب المشاجرات الطلابية داخلها لفترة ليست بسيطة.
هذه الحادثة تؤكد النتيجة التي توصلت إليها أغلب الدراسات، من حيث امتداد العنف خارج الجامعات إلى داخلها؛ وأن المشكلة الأساسية هي التحولات التي حدثت في المجتمع، وانعكست بشكل مباشر على الجامعات الأردنية. فالجامعات ليست معزولة عن محيطها المجتمعي. والعنف المجتمعي والتعدي على القانون والمؤسّسات الذي امتد للمؤسّسات كافة، ومنها التعليمية، وتصاعد العنف الاجتماعي والجريمة، تستحق وقفة أخرى.
ذلك لا يعفي المؤسّسات التعليمية من المسؤولية عن العنف الذي يحصل داخل أسوارها. لكن ليس من الإنصاف بمكان تحميل الجامعات الأردنية معظم المشكلات التي يعاني منها التعليم بالأردن، وهي حقيقة؛ لأن المسؤولية وطنية، والجامعات أحد عناصرها، ولكنها ليست وحدها المسؤولة عما حدث ويحدث للتعليم العالي.
هناك مسألتان يفترض الإشارة إليهما في معرض الحديث عن معالجة المشكلة الأخيرة في الجامعة الأردنية: الأولى، مرتبطة بالحرس الجامعي، وقدرته على التعاون مع المتطلبات المتنامية للجامعات. وقد بينت الدراسات السابقة أن الوضع الحالي للأمن الجامعي في الجامعات الأردنية لم يعد قادراً على القيام بدوره على أكمل وجه، ليس فقط فيما يتعلق بالعنف الجامعي، وإنما بكل الأبعاد المرتبطة بالحياة الجامعية. والتأهيل للأمن الجامعي لن يحل المشكلة؛ لأن القضية الأكبر هي عدم امتلاك الأمن الجامعي صلاحيات الضابطة العدلية، ما يمنعه من القيام بالدور المطلوب والمتوقع منه. فالاستراتيجيات التي وضعت للتعامل مع العنف الجامعي أوصت بتحويل الأمن الجامعي إلى شرطة جامعية، تتمتع بصفة الضابطة العدلية.
أعتقد أنه تمت الموافقة والإقرار بأهمية أن تكون للأمن الجامعي صفة الضابطة العدلية. لكن لم يحدث شيء لحد الآن. والحادثة الأخيرة المؤلمة مناسبة لإحياء هذه الفكرة، وتنفيذها بصورة كاملة وحديثة. إضافة للتدريب الشرطي المطلوب للأمن الجامعي. كما لا بدّ من إدخال العنصر النسائي بشكل واسع للشرطة الجامعية؛ لأن الإناث يمثلن أكثر من نصف الطلبة، والكثير من المشكلات داخل الجامعات تحتاج للمرأة؛ لأنه سيكون إضافة إيجابية.
أما المسألة الثانية، فهي العقوبات وإجراءات التخفيف التي تقود إليها. إذ لا بدّ من الإشارة إلى أن التعليمات بهذا المجال في الجامعة الأردنية قد تغيّرت، وأصبحت العقوبات أكثر ردعاً. ووقوف إدارة الجامعة، ممثلة برئيسها الدكتور عزمي محافظة ومجلس أمناء الجامعة، والدعم والمؤازرة اللذين حظيت بهما الجامعة الأردنية من مجلس التعليم العالي، ممثلاً برئيس المجلس ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عادل الطويسي، والتي أكدت كلها ضرورة أخذ القانون مجراه، وأن تتم معاقبة المسؤولين عما حصل بشفافية وحزم، يمثل رداً حاسماً على أحداث العنف الأخيرة.
إن الرد على أحداث الجامعة الأردنية الأسبوع الماضي، يجب أن يكون قانونياً وحازماً. وهو ما أكدت عليه إدارة الجامعة. لكن أيضاً يجب إعادة هيكلة وتغيير مفهوم الأمن الجامعي ليتناسب مع تطور التعليم العالي واحتياجاته بالأردن.
على المدى البعيد، لا بدّ من العمل على استعادة الدور القيادي للجامعات. وهذه مهمة جماعية وصعبة، لكنها ممكنة.