الإعلام والنواب..خلاف الرقابة والخصوصية والأولويات!
سعت لجنة التوجيه الوطني مشكورة إلى نزع فتيل الأزمة مع وسائل الإعلام بدعوتها للقاء الأسبوع الماضي لتدارس أفضل سبل التعاون والتفاهم بحضور وزير الدولة لشؤون الإعلام وممثلين عن الإعلام الرسمي.
بالتأكيد اللقاء مهم لأنه يفتح نافذة للنقاش والاستماع للآراء المتوافقة والمتعارضة، ولكن الثابت أن اللقاء لن يجعل العلاقات "سمن على عسل" ما دام الإعلام يلعب دوراً رقابياً على أداء النواب، فهناك بعض النواب لم يستوعبوا منذ فوزهم بالانتخابات أنهم أصبحوا شخصيات عامة وعليهم أن يتحملوا "قارص الكلم".
الاختلاف بين الطرفين ظاهرة صحية، وتعكس حالة حيوية، وإن تطابقت الآراء فإن هناك خللا جما، يعيدنا إلى عهد الأنظمة الشمولية، ومنذ 27 عاماً عايشت كل البرلمانات بعد عودة الحياة البرلمانية وجميعها كانت تشهد حالات اشتباك وتجاذب.
نقطة البداية التي يجب أن يقرّ بها طرفا المعادلة أن الأدوار تختلف، وهذا لا يعني إدارة الظهر للآخر، فالبرلمان الأردني بكل أزماته مع الحكومات كان الإعلام نصيراً له، وعلى النواب أن يدركوا بأنهم يستطيعون أن يستقووا به على الحكومة إذا ضيقت عليهم، وهذا حدث كثيراً. وفي ذات الوقت فإن الإعلاميين يتوقعون من مجلس النواب أن يكون داعماً لهم، ساعياً لتكريس بيئة حاضنة لحرية الصحافة لا مقيدة لها، وهنا يأتي دورهم التشريعي في مراجعة كل القيود التي فرضت طوال السنوات الماضية.
رغم هذه الحاجة المتبادلة فإن مجلس النواب عليه أن يتفهم بأن تسليط الصحفيين الضوء على اخفاقاتهم وهفواتهم ليس جريمة، فدور الإعلام ليس كيل المديح، بل رصد ما يحدث في الواقع، و"المسطرة" التي يجب أن يقبلوا بها، هل ما نشره الإعلام حقيقي أم مفبرك، فإن كان صحيحاً فلا يحق لهم أن يغضبوا أو يعتبوا، وحقهم أن يرفعوا صوتهم رفضاً حين يجدون في الإعلام اختلاقاً وتشويهاً وتجنياً؟
وهذا يدفعنا للحديث عن الأولويات، فالنواب خلال اللقاء أثاروا أن تسليط الإعلام الضوء على بعض القضايا يهدف الى تشويه صورة المجلس عند الناس، وأن ما نشر لا يعد من الأولويات، والسؤال للنواب من يحدد الأولويات، فما تراه شأناً وطنياً مهماً، قد لا يراه الإعلام كذلك، فكثير من القضايا الجانبية برأي الإعلام حقائق لا بد من تقديمها للجمهور، ومن بينها صور المراسلات الخاصة بين النواب وكذلك مع الحكومة التي يلتقطها المصورون، ولا يمكن الاعتداد أبداً بأنها "خصوصية"، فهي تحت القبة وبجلسة علنية، ومراسلاتهم لا يمكن تصنيفها بأنها وثائق سرية، هذا عدا عن أنهم شخصيات عامة وقواعد الخصوصية لهم تختلف عن آحاد الناس.
إذا كان النواب يعتقدون بأن هذه المراسلات تشوه صورتهم فلماذا يكتبونها من الأصل، إلا إذا استهوى البعض أن يثار حولها ضجة؟!
يستطيع النائب أن ينام أو يأخذ غفوة بعد ساعات من الخطابات أو العمل المرهق، أو يوزع "الشكولاتة" ويجاهر بأن أفعاله لا تحط من شأنه، أما إذا كان خجلاً منها فالأحرى أن لا يفعلها، والأهم أن يُفعّل مجلس النواب مدونة السلوك لتضع حداً لهذا الجدل.
لا نريد أن يستمر التراشق، بل هذا أوان أن نعمل معاً لبناء بيئة تشريعية ضامنة لحرية التعبير والإعلام، وتصريح مجلس الوزراء قبل أسابيع مشجع وتعهده بحماية حرية الإعلام ومعارضته للتوقيف والسجن للإعلاميين يحتاج الى ترجمة الكلام الى أفعال، وفي أدراج لجنة التوجيه الوطني هناك تعديلات لقانون ضمان حق الحصول على المعلومات عليهم أن ينجزوها، وقد كان رأينا واضحاً بإعادة هذه التعديلات للحكومة لتتقدم بتعديلات أكثر جذرية تتعلق بأكثر من مادة من بينها الاستثناءات.
الإعلام يخطئ ولذلك فإننا طوال السنوات الماضية وبالتعاون مع الحكومة والبرلمان دخلنا في نقاش لمشروع قانون لمجلس الشكاوى ينصف المجتمع من أخطاء ويكون مرجعاً لمراكمة ممارسة مهنية وأخلاقية.
أكثر ما يقلق العودة لعقوبة التوقيف والسجن بحق الإعلاميين بعدما تقلصت لسنوات طويلة، حيث كان قانون المطبوعات والنشر لا يجيز ذلك، وكانوا يلجأون لقانون العقوبات لتوقيف الصحفيين ومن ثم قانون مكافحة الإرهاب، ولكن في العام 2015 وبعد قرار لجنة تفسير القوانين الذي اعتبر أن المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية هي الواجبة التطبيق في قضايا القدح والذم للمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تم توقيف 10 صحفيين خلال العام2015، واستمر الحال في العام 2016 مما أساء لصورة الأردن في التقارير الدولية، وأخل الأردن بالتزاماته الدولية بصيانة حرية الإعلام.
هذه أجندة العمل التي يجب أن نتفق ونعمل عليها، وهذا يظهر دور مجلس النواب إن كان حامياً للحريات الإعلامية أم يريد لجمها وتقييدها؟