بوتين والدور العالمي القادم
لقد كشف التقرير الصادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA أن الرئيس الروسي «بوتين» قد أصدر أوامر شخصية في قضية التدخل الإلكتروني في الانتخابات الأمريكية لصالح الرئيس «ترامب» وبناء على هذا التقرير أوعز الرئيس «أوباما» بطرد (35) من أعضاء الطاقم الدبلوماسي للسفارة الروسية بعد أن ثبت ضلوعهم في عملية التدخل.
هذا الخبر يحمل جملة من الدلالات الخطيرة على المستوى العالمي وعلى المستوى الإقليمي وعلى المستوى الداخلي للولايات المتحدة وربما سوف يكون هناك آثار تمس الأوضاع الداخلية والخارجية لكثير من دول العالم، وخاصة تلك الدول التي تدور في الفلك الأمريكي والتي تتأثر تأثراً بالغاً بسياسة طاقم الإدارة الأمريكية وفي قمتها شخصية الرئيس ووزير خارجيته المرتقب.
الوجه الأول الأكثر خطورة يتعلق بالقدرة الروسية التكنولوجية في المجال الالكتروني وفي مجال «الهكرز» التي وصلت إلى درجة الاحتراف، وكذلك مقدار الجرأة وحجم المغامرة في اتخاذ قرار يحدد هوية رئيس الولايات المتحدة – إن صح الخبر طبعاً- فهذا يمثل تحولاً خطيراً في إدارة العالم بكل تأكيد، وإذا كانت روسيا قادرة على التدخل في الشؤون الداخلية لأكبر دولة في العالم، فهذا يعني قدرتها على التدخل في معظم الدول الأخرى من باب أولى، وهذا المعنى له ظلال واسعة ودلالات خطرة على الدور الروسي المستقبلي في شؤون المنطقة والعالم.
الوجه الثاني يتعلق بكيفية إدارة الملفات العالمية والإقليمية وخاصة تلك الملفات الساخنة التي تتعلق بالمناطق الملتهبة وعلى رأسها العالم العربي – سوريا والعراق واليمن وفلسطين وليبيا- في ظل الثنائي (بوتين – ترامب)، حيث أن الرئيس ترامب سوف يكون مديناً لصديقه بوتين فيما لو صحت الرواية، وقد أعلن ترامب فعلاً أن مجيئه على قمة الرئاسة الأمريكية سوف يدشن مرحلة جديدة مختلفة في العلاقة مع روسيا، وسوف تظهر ملامح واضحة للتنسيق الدولي فيما يتعلق بمسار التسويات النهائية لكثير من الملفات العالقة.
الوجه الثالث لهذا الحدث سوف يتعلق بموضوع الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها، فسوف تشهد تراجعاً مؤكداً عندما يتم التوثق من الخبر، وقد بدأت آثار هذا التحول تظهر بوضوح على ملف الصراع الجاري في سوريا والمنطقة، وربما سوف يخسر التحالف الغربي كثيراً بتغير الموقف التركي الاستراتيجي ان استمر في هذا المنحنى المتصاعد، لأن تركيا تمثل عضواً مؤثراً في حلف شمال الأطلسي، وكانت تركيا تمثل قاعدة التحالف الأكبر في قلب العالم القديم، وعلى تطور الصراع بين القطبين الأمريكي والروسي، وسوف يكون لهذا الحدث تداعيات أخرى منتظرة على بقية الحلفاء.
هل التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية يمثل نقطة التحول الحرجة في منحنى الصعود الأمريكي، وهل نبدأ صفحة جديدة في خارطة موازين القوى العالمية، وهل سوف تكون هناك اختلالات متوقعة تبدو بالنمو المتدرج على صعيد رجحان الكفة باتجاه الشرق بعامة بزعامة روسيا والصين مع دول آسيا الأخرى مثل الهند واليابان وايران وباكستان؛ ما سوف يؤدي إلى فتح شهية المحللين السياسيين في رسم سيناريوهات مستقبلية قادمة بناءً على سنن الدهر وقوانين التغير الكوني التي لا ترحم .